ومحلة شمل المكاره أهلها ... وتقلّدوا مشنوءة الأسماء
دار يهاب بها اللئام وتتّقى ... وتقلّ فيها هيبة الكرماء
ويقول علج ما أراد، ولا ترى ... حرّا يقول برقة وحياء
ويرقّ عن مسّ الملاحة وجهه ... فيصونه بالصمت والإغضاء
وقال شاعر من المسجونين:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ... فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السجّان يوما لحاجة ... عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدّنيا
ويؤثر عن يوسف عليه السلام أنه كتب على باب السجن: هذه منازل البلاء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء، وقبور الأحياء.
هذا وقد حاول كثير من الأدباء مدح السجن بسحر بيانهم، فقال عليّ بن الجهم:
قالوا: حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي. وأيّ مهنّد لا يغمد؟
أو ما رأيت الليث يألف غابه ... كبرا وأوباش السّباع تردّد
والبدر يدركه المحاق فتنجلي ... أيّامه وكأنه متجدّد
ولكل حال معقب ولربّما ... أجلى لك المكروه عمّا تحمد
والسجن، ما لم تغشه لدنيّة ... شنعاء، نعم المنزل المتورّد
بيت يجدّد للكريم كرامة ... فيزار فيه ولا يزور ويحفد
وأحسن ما قيل في تسلية المسجونين قول البحتري:
أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الجور والإفك
أقام جميل الصّبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك
نقله الثعالبي في (اللطائف واليواقيت) .
وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ أي البادية، وقد كانوا أصحاب مواش، مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ أي أفسد الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي أي بالحسد. وأسنده إلى الشيطان لأنه بوسوسته وإلقائه. وفيه تفاد عن تثريبهم أيضا. وإنما ذكره لأن النعمة بعد البلاء أحسن موقعا.