الأرض، فخلفهم فيها آدم وذريّته، وأن يراد: خليفة مني، لأن آدم كان خليفة الله في أرضه. وكذلك كل نبيّ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص: ٢٦] والغرض من إخبار الملائكة بذلك، هو أن يسألوا ذلك السؤال، ويجابوا بما أجيبوا به، فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم، أو الحكمة: تعليم العباد المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم- وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيّا عن المشاورة- أو تعظيم شأن المجعول، وإظهار فضله، بأن بشّر بوجود سكّان ملكوته، ونوّه بذكره في الملأ الأعلى قبل إيجاده، ولقّبه بالخليفة.
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ هذا تعجب من أن يستخلف- لعمارة الأرض وإصلاحها- من يفسد فيها، واستعلام عن الحكمة في ذلك. أي: كيف تستخلف هؤلاء، مع أنّ منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبّح بحمدك، ونقدّس لك- أي ولا يصدر عنا شيء من ذلك- وهلّا وقع الاقتصار علينا ... ؟ فقال تعالى مجيبا لهم إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ أي: إنّ لي حكمة- في خلق الخليفة- لا تعلمونها.
فإن قلت: من أين عرف الملائكة ذلك حتى تعجّبوا منه، وإنما هو غيب؟
أجيب: بأنهم عرفوه: إما بعلم خاص، أو بما فهموه من الطبيعة البشرية. فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر: ٢٦] أو فهموا من «الخليفة» أنه الذي يفصل بين الناس، ما يقع بينهم من المظالم، ويردعهم عن المحارم والمآثم.
قال العلّامة برهان الدين البقاعيّ في تفسيره: وما يقال من أنّه كان قبل آدم، عليه السلام، في الأرض خلق يعصون، قاس عليهم الملائكة حال آدم عليه السلام- كلام لا أصل له. بل آدم أوّل ساكنيها بنفسه. انتهى.
وقوله تعالى: نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أي: ننزّهك عن كل ما لا يليق بشأنك، ملتبسين بحمدك- على ما أنعمت به علينا من فنون النعم التي من جملتها توفيقنا لهذه العبادة.
وقوله نُقَدِّسُ لَكَ أي: نصفك بما يليق بك- من العلوّ والعزّة- وننزّهك عمّا لا يليق بك. وقيل: المعنى نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك. كأنهم قابلوا