اعترافهم، إيذانا بأنه أمر لا بدّ لهم منه. كأنه قيل: احك اعترافهم فبكتهم بما يلزمهم من الحجة قُلْ أي: إلزاما لهم وتبكيتا أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي: أبعد أن علمتموه ربّ السموات والأرض، عبدتم من دونه غيره فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم، سبب الإشراك؟ أفاده الزمخشري.
لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي: لا يقدرون على نفع أنفسهم ولا على دفع الضر عنها. فكيف يستطيعونه لغيرهم! فإذن عبادتهم محض العبث والسفه! قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ لما بيّن ضلالهم وفساد رأيهم في الحجة المذكورة، بيّن أن الجاهل بها يكون كالأعمى، والعالم بها كالبصير، والجهل بمثلها كالظلمات، والعلم بها كالنور! وكما أن كلّ أحد يعلم بالضرورة أن الأعمى لا يساوي البصير والظلمة لا تساوي النور، كذلك كل أحد يعلم بالضرورة أن الجاهل بهذه الحجة لا يساوي العالم بها! أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أي:
بل أجعلوا، والهمزة للإنكار وقوله: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ صفة ل (شركاء) داخلة في حكم الإنكار فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ أي: خلق الله وخلقهم والمعنى: أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق، فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها. ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلا عما يقدر عليه الخالق.
قال الناصر: وفي قوله تعالى: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ في سياق الإنكار، تهكم بهم، لأن غير الله لا يخلق خلقا البتة، لا بطريق المشابهة والمساواة لله، تقدس عن التشبيه ولا بطريق الانحطاط والقصور. فقد كان يكفي في الإنكار عليهم، أن الشركاء التي اتخذوها لا تخلق مطلقا، ولكن جاء في قوله تعالى: كَخَلْقِهِ تهكم يزيد الإنكار تأكيدا! قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أي: لا خالق غير الله، ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة! وَهُوَ الْواحِدُ أي. المتوحد بالربوبية الْقَهَّارُ الذي لا يغالب، وما عداه مربوب ومقهور! ثم ضرب تعالى مثلين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه بقوله: