موت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها. ويؤيد من يعتمد ذلك بأن الجوهريّ حكى عن ثعلب: أن الأطراف يطلق على الأشراف جمع طرف وهو الرجل الكريم، وشاهده قول الفرزدق:
واسأل بنا وبكم إذا وردت منى ... أطراف كلّ قبيلة من يتبع
يريد أشراف كل قبيلة. فمعنى الآية: أولم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات: موت بعد حياة، وذل بعد عزّ، ونقص بعد كمال! وإذا كان هذا مشاهدا محسوسا، فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر عليهم فيذلهم بعد العزة! ولا يخفاك أن هذا المعنى لا يذكره السلف تفسيرا للآية على أنه المراد منها، وإنما يذكرونه تهويلا لخطب موت العلماء بسبب أنهم أركان الأرض وصلاحها وكمالها وعمرانها، فموتهم نقص لها وخراب منها. كما قال أحمد بن غزال:
الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها ... متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما الغيث حلّ بها ... وإن أبى عاد في أكنافها التّلف
ولذا قال الأزهريّ كما في (لسان العرب) : أطراف الأرض نواحيها الواحد طرف، ونَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أي نواحيها ناحية ناحية، وعلى هذا من فسر (نقصها من أطرافها) فتوح الأرضين. وأما من جعل (نقصها من أطرافها) موت علمائها فهو من غير هذا، قال: والتفسير على القول الأول.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ أي: ما يشاء كما يشاء، وقد حكم للإسلام بالعز والإقبال. وعلى الكفر بالذل والإدبار، حسبما يشاهد من المخايل والآثار. وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وبناء الحكم على الاسم الجليل، من الدلالة على الفخمة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر، بالإشارة إلى العلة، ما لا يخفى وهو جملة اعتراضية جيء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها.
وقوله تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ اعتراض في اعتراض. لبيان علوّ شأن حكمه تعالى: وقيل: نصب على الحالية كأنه قيل: والله يحكم نافذا حكمه- كما تقول:
جاء زيد لا عمامة على رأسه، أي حاسرا. و (المعقب) من يكرّ على الشيء فيبطله، وحقيقته من يعقبه ويقفّيه بالرد والإبطال. أفاده أبو السعود.
وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ أي فعمّا قليل يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا بالقتل والأسر.