بعث ولا جزاء. ولئن كان، فالأصنام شفعاؤكم. ولم يصرح ببطلانه لدلالة قوله:
فَأَخْلَفْتُكُمْ عليه. والإخلاف مستعار لعدم تحقق ما أخبر به وكذبه، أو مشاكلة.
وفي الآية من الإيجاز البليغ شبه الاحتباك. حيث حذف أولا (فوفى به) لدلالة قوله بعد فَأَخْلَفْتُكُمْ عليه لأنه مقابله، وحذف ثانيا (وعد الباطل) لدلالة وَعْدَ الْحَقِّ.
وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي حجة وبرهان إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أي: أسرعتم لطاعتي بمجرد ذلك، أي وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه فَلا تَلُومُونِي أي: بوعدي إياكم، إذ لم يكن بطرق القسر وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ أي: حيث استجبتم لي باختياركم، حين دعوتكم بلا حجة ولا دليل. ولم تستجيبوا ربكم، إذ دعاكم دعوة الحق المقرونة بالبراهين والحجج.
قال القاشاني: لما ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم وتنوّر بنوره، أسلم وأطاع وصار محقّا عالما بأن الحجة لله في دعوته للخلق إلى الحق، لا له. ودعوته إلى الباطل بتسويل الحطام وتزيين الحياة الدنيا عليهم- واهية فارغة من الحجة. وأقرّ بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث، حقّ قد وفي به.
ووعدي بأن ليس إلّا الحياة الدنيا باطل اختلقته. فاستحقاق اللوم ليس إلّا لمن قبل الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها. وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها. انتهى.
وحكي في (الإكليل) عن ابن الفرس: أن بعضهم انتزع من هذا إبطال التقليد في الاعتقاد. قال: وهو انتزاع حسن. لأنهم اتبعوا الشيطان بمجرد دعواه، ولم يطلبوا منه برهانا. فحكى الله تقبيحا لذلك الفعل منهم. انتهى.
ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي: بمغيثكم ومنجيكم من العذاب وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ أي: مما أنا فيه. قال ابن الأعرابي: الصارخ: المستغيث، والمصرخ:
المغيث، يقال: صرخ فلان إذا استغاث وقال: وا غوثاه! وأصرخته أغثته. فالهمزة للسلب. يعني أزلت صراخه، وهو مدّ الصوت. إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ أي: كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم- أي في الدنيا- يعني: جحدت أن أكون شريكا لله عز وجلّ، وتبرأت منه ومنكم فلم يبق بيني وبينكم علاقة كقوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر: ١٤] ، وقوله: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ