وقد وقفت على رسالة لشمس البلغاء الخوارزمي أنفذها لمن شكا إليه داء الجرب. جاء منها قوله: الجرب حكة مادتها يبوسة وحرارة ووقود والتهاب. وعسكر من عساكر البلاء تمده القذارة. كما تزيد فيه اليبوسة والحرارة. وعلة تدل على تضييع واجب النفس من التعهد. وعلى التفريط في العلاج والتفقد. تنطق بأن صاحبها ضعيف المنّة في التوفي. أسير في يد الحرص والتشهّي. غاشّ لنفسه. قليل البقيا على روحه. وهذه العلة تكسب صاحبها خزيا وحياء. وتورثه خجلا واسترخاء ينظر إلى الناس بعين المريب. ويتستر عنهم كتستر المعيب. تنفر عنه الطباع، وتستقذره النفوس. وتنبو عن مواكلته العيون. وأقل ما يصيبه أنه يحرم آلة المطاعم وهي يداه. وآلة اللقاء والزيارة وهي رجلاه. ولو لم يكن من دقائق آفاتها. ومن عجيب هباتها. إلا أنها تشيخ الفتيان. وتمسخ الإنسان. وتجعله أمّيا بعد أن كان غير أمّي.
وأعجميّا وليس بأعجميّ. تنفر عن نفسه نفسه. وتهرب من فراشه عرسه. ويتباعد عنه أقرب الناس منه. ثم هي ربع من أرباع الخذلان وقسم من أقسام الحرمان. قال الشاعر:
أعاذك الله من أشياء أربعة: ... الموت والعشق والإفلاس والجرب
وما الظن بداء قد سارت به الأمثال وقيلت فيه، دون سائر الأدواء، الأقوال.
قال أبو تمام:
لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب
وقال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
فجعله رأس الأدواء. ووصفه بأنه غاية البلاء. انتهى. وقوله تعالى:
وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ أي تعلوها وتحيط بها النار التي تمسّ جسدهم المسربل بالقطران. وتخصيص الوجوه لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه.
كالقلب في باطنه ولذلك قال: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: ٧] ، ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراك الحق. وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبره. كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة، قد ملؤوها بالجهالات. أفاده الزمخشري وأبو السعود.