يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه واعتذارهم عنه بالاحتجاج بالقدر، تكذيبا للرسول صلوات الله عليه وطعنا في الرسالة وذلك قولهم: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم، مما لم ينزل الله به سلطانا ثم أعلم تعالى مشاكلتهم لمن تقدمهم، بقوله:
لِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
أي من الشرك والتحريم، متمسكين بمثل هذه الشبهة.
قال ابن كثير: مضمون كلامهم أنه لو كان تعالى كارها لما فعلنا، لأنكره علينا بالعقوبة، ولما مكننا منه. قال الله تعالى رادا عليهم شبههم فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم. بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار، ونهاكم عنه آكد النهي، وبعث في كل أمة، أي في كل قرن وطائفة من الناس، رسولا. وكلهم يدعو إلى عبادة الله، وينهى عن عبادة ما سواه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وهو ما يعبد من دونه سبحانه. فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم، من عهد نوح أول رسول إلى أهل الأرض، إلى زمن خاتم النبيين صلوات الله عليه وعليهم. ودعوة الكل واحدة كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] ، وكما أخبر هنا في هذه الآية. فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ؟ فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية. لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله. وأما مشيئته الكونية، وهي تمكينهم من ذلك قدرا، فلا حجة لهم فيها. أي لأنها من سر القدر الذي حظر الخوض فيه. ثم إنه تعالى أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا، بعد إنذار الرسل، بقوله: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ الآية. وقد تقدم لنا في سورة الأنعام نقل ما للأئمة في مثل هذه الآية. ونسوق هنا أيضا ما قرأته للإمام ابن تيمية، عليه الرحمة، في أول الجزء الثاني من (منهاج السنة) مما يتعلق بالآية، وإن يكن سبق لنا نقل عنه أيضا. فإن الآية من معارك الأفهام. فلا علينا أن نجلو عن الشبه فيها صدأ