للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في لزومها له، في موضع القلادة ومكان الطوق. ومنه يقال (فلان يقلد فلانا) أي يجعل ذلك الاعتقاد كالقلادة المربوطة على عنقه. وقوله تعالى: وَنُخْرِجُ لَهُ أي نظهر له يَوْمَ الْقِيامَةِ أي البعث للجزاء على الأعمال كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً أي يجده مفتوحا فيه حسناته وسيئاته. ويقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي شهيدا بما عملت.

قال القاشانيّ: كِتاباً هيكلا مصورا يصوّر أعماله يَلْقاهُ مَنْشُوراً لظهور تلك الهيئات فيه بالفعل مفصلة، لا مطويا كما كان عند كونها فيه بالقوة. يقال له:

اقْرَأْ كِتابَكَ أي اقرأه قراءة المأمور الممتثل لأمر آمر مطاع يأمره بالقراءة. أو تأمره القوى الملكوتية. سواء كان قارئا أو غير قارئ. لأن الأعمال هناك ممثّلة بهيئاتها وصورها، يعرفها كل أحد. لا على سبيل الكتابة بالحروف فلا يعرفها الأمىّ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً لأن نفسه تشاهد ما فعلته لازما إياها، نصب عينها، مفصلا لا يمكنها الإنكار.

وقوله تعالى: مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ قال أبو السعود: فذلكة لما تقدم من بيان كون القرآن هاديا لأقوم الطرائق، ولزوم الأعمال لأصحابها. أي من اهتدى بهدايته، وعمل بما فيه تضاعيفه من الأحكام، وانتهى عما نهاه عنه، فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه، لا تتخطاه إلى غيره ممن لا يهتدي وَمَنْ ضَلَّ أي عن الطريقة التي يهديه إليها: فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي وبال ضلاله عليها، لا على من عداه ممن لم يباشره. فقوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى مؤكد لما قبله للاهتمام به.

قال أبو السعود: أي لا تحمل نفسه حاملة للوزر، وزر نفس أخرى، حتى يمكن تخلص النفس الثانية عن وزرها. ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم. بل إنما تحمل كل منهما وزرها. وهذا تحقيق لمعنى قوله عزّ وجلّ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وأما ما يدل عليه قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها [النساء: ٨٥] ، وقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل: ٢٥] ، من حمل الغير وزر الغير، وانتفاعه بحسنته، وتضرره بسيئته، فهو في الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه، وتضرر بسيئته. فإن جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له. وإنما الذي يصل إلى من يشفع، جزاء شفاعته، لا جزاء أصل الحسنة والسيئة. وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين. وما يحمله المضلون، إنما هو جزاء الإضلال لا جزاء الضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>