في حال الطفولة. فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال. حتى لا يقول لهما، إذا أضجره ما يستقذر منهما، أو يستثقل من مؤنهما: أُفٍّ فضلا عما يزيد عليه. أفاده الزمخشريّ.
وقوله: وَلا تَنْهَرْهُما أي تزجرهم عما لا يعجبك، بغلظة وَقُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر قَوْلًا كَرِيماً أي حسنا كما يقتضيه حسن الأدب معهما. ومعنى قوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ
تذلّل لهما وتواضع. وفيه استعارة مكنية وتخييلية. فشبه الذل بطائر تشبيها مضمرا، وأثبت له الجناح تخييلا، والخفض ترشيحا. و (خفضه) ما يفعله إذا ضم أفراخه للتربية. أو استعارة تصريحية في المفرد وهو الجناح، والخفض ترشيح. و (الجناح) الجانب كما يقال (جناحا العسكر) وخفضه مجاز. كما يقال (ليّن الجانب) و (منخفض الجانب) وإضافة الجناح إلى الذل للبيان. لأن صفة مبيّنة. أي جناحك الذليل. وفيه مبالغة لأنه وصف بالمصدر.
فكأنه جعل الجناح عين الذل. أو التركيب استعارة تمثيلية. فيكون مثلا لغاية التواضع. وسر ذكر الجناح وخفضه، تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس. ومِنَ من قوله تعالى: مِنَ الرَّحْمَةِ ابتدائية على سبيل التعليل. أي من فرط رحمتك لهما، وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم، إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس. وافتقار المرء إلى من كان مفتقرا له، غاية في الضراعة والمسكنة. فيرحمه أشد رحمة. كما قال الخفاجيّ:
يا من أتى يسأل عن فاقتي ... ما حال من يسأل من سائله؟
ما ذلة السلطان إلا إذا ... أصبح محتاجا إلى عامله
وقوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي رب! تعطف عليهما برحمتك ومغفرتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.
قال الزمخشري: أي لا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية. واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. والكاف للتعليل. أي لأجل تربيتهما لي.
قال الطيبيّ: الكاف لتأكيد الوجود. كأنه قيل: رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها كقوله: مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات: ٢٣] ، وهو وجه حسن.