موجبا له صفة الربوبية، ولا مخرجه من صفة العبودية لربه. كما أن مباينة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان مباينا له من الأشياء، غير موجبة له صفة الربوبية ولا مخرجته من صفة العبودية لربه. من أجل أنه موصوف بأنه مباين له، كما أن الله عزّ وجلّ موصوف- على قول قائل هذه المقالة بأنه مباين لها. هو مباين له. قالوا: فإذا كان معنى (مباين ومباين) لا يوجب لمحمد صلى الله عليه وسلم الخروج من صفة العبودية، والدخول في معنى الربوبية فكذلك لا يوجب له ذلك قعوده على عرش الرحمن. فقد تبين إذا بما قلنا أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام ما قاله مجاهد، من أن الله تبارك وتعالى يقعد محمدا على عرشه، فإن قال قائل: فإنا لا ننكر إقعاد الله محمدا على عرشه، وإنما ننكر إقعاده معه «حدثني» عباس بن عبد العظيم قال حدثنا يحيى بن كثير عن الجريري، عن سيف السدوسيّ عن عبد الله بن سلام قال، إن محمدا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، على كرسي الرب، بين يدي الرب تبارك وتعالى. وإنما ينكر إقعاده إياه معه قيل: أفجائز عندك أن يقعده عليه لا معه؟ فإن أجاز ذلك صار إلى الإقرار بأنه إما معه أو إلى أنه يقعده، والله للعرش مباين، أو لا مماسّ ولا مباين، وبأي ذلك قال، كان منه دخولا في بعض ما كان ينكره. وإن قال: ذلك غير جائز منه، خروجا من قول جميع الفرق التي حكينا قولهم، وذلك فراق لقول جميع من ينتحل الإسلام: إذ كان لا قول في ذلك إلا الأقوال الثلاثة التي حكيناها. وغير محال في قول منها ما قال مجاهد في ذلك. انتهى كلام ابن جرير رحمه الله.
وأقول: لك أن تجيب أيضا عن إيرادات الواحديّ الخمسة، التي أفسد بها قول مجاهد. أما جواب إيراده الأول، فإن مجاهدا لم يفسر مادة البعث وحدها بالإجلاس.
وإنما فسر بعثه المقام المحمود بما ذكر.
وعن الثاني: بأن المقام هو المنزلة والقدرة والرفعة، معروف ذلك في اللغة.
وعن الثالث: بدفع اللازم المذكور، لأنه كما اتفق على أن له ذاتا لا تماثلها الذوات فكذلك كل ما يوصف به مما ورد في الكتاب والآثار، فإنه لا يماثل الصفات.
ولا يجوز قياس الخالق على المخلوق.
وعن الرابع: بأنه مكابرة. إذ كل أحد يعرف- في الشاهد- لو أن ملكا استدعى جماعة للحضور لديه، ورفع أفضلهم على عرشه، أن المرفوع ذو مقام يفوق به الكل.
وعن الخامس: بأنه من واد آخر غير ما نحن فيه، إذ لا بعث لإصلاح المهمات