تلك المغارة هربا من الاضطهاد، عرف أمرهم فأغلق عليهم باب المغارة بصخور عظيمة. وهكذا ماتوا فيها. وغيرهم يروون أنهم قتلوا من أجل الإيمان في مدينة أفسس. وبعد موتهم نقلت أجسادهم ودفنت في المغارة المذكورة. وآخرون يظنون أنهم حبسوا أنفسهم أحياء باختبائهم في المغارة المذكورة، ليموتوا برضاهم، هربا من خطر أنواع العذاب القاسية التي كان يتكبدها المسيحيون في ذاك الاضطهاد الوحشيّ.
ثم قال: فكيفما كان نوع استشهاد هؤلاء السبعة، فقد تحقق أن الله أراد أن يكرمهم بإظهار أجسادهم بواسطة رؤيا سماوية. وذلك في ٤ آب سنة ٤٤٧ في زمن ولاية الملك (ثاوضوسيوش الصغير) .
ثم قال: ودرج على أفواه الشعوب أن هؤلاء الفتية، بعد أن أغلق عليهم باب المغارة بأمر داكيوس الملك، لم يموتوا ضمنها، لا موتا طبيعيا ولا قسريّا. بل رقدوا رقاد النوم مدة، نحو مائتي سنة. ثم نهضوا من نومهم الطبيعيّ سنة (٤٤٧) .
ثم قال: وقد ذهب بعض المؤرخين إلى تأويل ما روي من رقادهم الطويل، بأنه لما ظهرت أجسادهم سالمة من البلى، بعد أن دفنوا في ذلك الغار أحياء أو أمواتا، بواسطة خارقة مّا، ونقلت من مدفنهم الذي كانوا فيه، اعتبرت تلك الأجساد كأنها صودفت مستيقظة من نوم لذيذ كانت راقدة فيه. إلا أن الذي يبطل هذا التأويل ما نقله بعد عن القنداق، من أنهم نهضوا بعد أن رقدوا عدة من السنين وانتصروا على ضلال أولئك الوثنيين. وبظهورهم كذلك أيّدوا حقيّة إيمانهم ووطدوا المؤمنين في رجاء القيامة في الحياة الأبدية.
هذا ما اقتطفناه من كتاب (الكنز الثمين) وبه تعلم ما لدى أهل الكتاب المسيحيين من الاختلاف فيهم، الذي أشار له القرآن الكريم. وقد جاء في (تاريخ الكنيسة) : إن أقوال وأعمال الشهداء في المسيحية لم ينقل منها إلا القليل. لأن أكثرها أحرق بالنار مدة العشر سنوات. من سنة (٢٩٣ إلى ٣٠٣) وإن من القرن الثامن فصاعدا، اعتنى الروم واللاتيّون بجمع حياة الشهداء الأولين. غير أن الأكثر حذاقة، حتى الذين في حضن الكنيسة الرومانية، يسلّمون الآن بأن أكثر الأخبار أحاديث ملفقة، غراما بالبلاغة. وجداول القديسين المسماة (أقوال الشهداء) ليست بأكثر ثقة. التي ألفها أناس جهلاء غير قادرين، أو دخلها منذئذ أكاذيب. فهذا القسم من تاريخ الكنيسة إذ ذاك مظلم خال من النور. انتهى كلامه بالحرف.