فَاتَّبِعُونِي ثم دعاهم إلى الشرائع رابعا بقوله: وَأَطِيعُوا أَمْرِي وهذا هو الترتيب الجيّد. لأنه لا بد قبل كل شيء في إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات. ثم معرفة الله تعالى، فإنها هي الأصل. ثم النبوة ثم الشريعة. فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه. أفاده الرازي.
وقد برأ الله تعالى بهذه الآيات البينات، هارون عليه السلام مما افتراه عليه كتبة التوراة، من أنه هو السامري الذي اتخذ العجل وأمر بعبادته، كما هو موجود عندهم. وهو من أعظم الفري، بلا امتراء.
الثاني- عامة المفسرين قالوا: المراد بالرسول في قوله تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ هو جبريل عليه السلام. وأراد بأثره، التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته. ثم اختلفوا: أن السامري متى رآه؟ فقيل: إنما رآه يوم فلق البحر. وقيل:
وقت ذهابه بموسى إلى الطور.
واختلفوا أيضا في: أن السامري كيف اختص برؤية جبريل عليه السلام، ومعرفته من بين سائر الناس؟ فقيل إنما عرفه لأنه رآه في صغره، وحفظه من قتل آل فرعون له، وكان ممن رباه. وكل هذا ليس عليه أثارة من علم ولا يدل عليه التنزيل الكريم. ولذا قال أبو مسلم الأصفهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون. فههنا وجه آخر وهو: أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام. وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به، فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر فلان ويقبض أثره، إذا كان يمتثل رسمه. والتقدير، أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم، والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل، فقال (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أي شيئا من سنتك ودينك. فقذفته، أي طرحته. فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة. وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب، كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقول الأمير في كذا؟
وبماذا يأمر الأمير؟.
وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولا، مع جحده وكفره، فعلى مثل مذهب من حكى الله تعالى عنه قوله: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:
٦] ، وإن لم يؤمنوا بالإنزال. انتهى.
قال الرازي: ما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق مما ذكره المفسرون، لوجوه: