هذه اليهودية، يرى في اشتراعها في الآصار والأغلال والتكاليف الشاقة في المعيشة الحيوية ما لا يطاق. قيود في المأكل والمشرب. وحجر في المنكح والمبيت والمعاشرة. وضغط على الأنفس بتقسيمها إلى طاهرين يحضرون الاحتفالات، ونجسين مبعدين لا يلمسون ولا يلمسون. دع عنك خرافات الاعتقادات والافتراء بالأهواء في التشريعات وتشعبها في الأهواء إلى شعب تتباين في العبادات.
وهذه النصرانية، الذي أساسها تعديل الشرعة الموسوية قام رهبانها بعد رفع المسيح، ومضي عصر الحواريين. فأطلقوا لأتباعهم كل قيد في اليهودية. وأمروهم بنبذ أحكام التوراة نكاية لليهود. وأخذوا يشرعون للناس ما لا ينطبق على أصل التوراة ولا بعثة عيسى. فإنه عليه السلام قال (ما جئت لأهدم الناموس- التوراة- بل لأتممه) : فترى ما أحدث من طقوس الكنيسة وتعاليمها، اعتقادا وعبادة وسلطة وسيطرة جائرة على العقل والفكر، وربط الأمور بأيدي الكهنة حلّا وإبراما، تبعا لرغائب الأنفس والشهوات، مما يتضجر منه كل مسيحيّ ذاق جوهر الدين المسيحي حقّا. إذ جوهره مع ابتداعهم على طرفي نقيض، فإنّى لا يضيق ذرعه ولا تضنك معيشته! لذلك لما استقر سلطان الإسلام بالأندلس، واحتك النصارى بالمسلمين في الحروب الصليبية، واستمدوا من معارف الإسلام وعلومه ما قلد جيدهم مننا لا تنكر أخذوا يقاومون الكنيسة في حظرها على المعارف والفنون، ومعاداتها للعلوم. وجرى بإغراء الكهنة، من الدماء المسفوكة ما اسودت به صحف التاريخ. ثم كان الفوز لدعاة الإصلاح. وتفرقوا أحزابا. ولا يزالون يتقربون إلى الإسلام، بنبذهم سخائف ما ورثوه. ولذا تراهم في عيشة ضنك يسعون لأرقى مما هم عليه، علما بأن الدخائل والبدع في دينهم، أفسدت عليهم ما أفسدت. ولن يتسنى لهم الرقي إلا بالرجوع إلى دين الفطرة. وهم يسعون إليه، وإن كانوا لا يشعرون، أو يشعرون ويتجاهلون. هذه رشحات من المعيشة الضنك لأمتين عظيمتين، وهما تنتميان إلى كتابين منزلين..
فما ظنك بالمجوس والوثنيين وفرقهم التي لا تحصى. ولا يزال عقلاؤهم يطلبون التملص منها، لكثرة خرافاتها وضررها، نفسا ومالا وعرضا. فأهلها في شقاء وعذاب لا يشاكله عذاب. ومن نجا من ويلاتها بالإسلام، لا يعد ولا يحصى. وقس على هؤلاء، الطائفة المسماة بالماديين. وهم الدهريون والطبيعيون. فإنهم بلا ريب أضيق صدرا وأضنك معيشة وأشد اضطرابا وأعظم فرقة. فلا يمكن أن يوجد اثنان على رأي واحد. بل يتصور كل منهم إلهه كما يهوى وكما تخيّله له رغائبه وشهواته. قال بعضهم: هؤلاء الذين يحصرون دينهم في أن يعرف الإنسان الله، ويكون مستقيما في أعماله، إذا سئلوا: ما هو الدين الطبيعي الذي تعترفون به؟ فيجيبون إنما هو الذي