الشيطان ويحكم الله آياته إلخ، وهذا من أقبح ما يتصور متصور في اختصاص الله تعالى لأنبيائه، واختيارهم من خاصة أوليائه! فلندع هذا الهذيان، ولنعد إلى ما نحن بصدده.
ذكر الله لنبيه حالا من أحوال الأنبياء والمرسلين قبله، ليبين له سنته فيهم.
وذلك بعد أن قال: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ [الحج: ٤٢] ، إلى آخر الآيات ثم قال: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [الحج:
٤٩- ٥٢] ، إلخ، فالقصص السابق كان في تكذيب الأمم لأنبيائهم. ثم تبعه الأمر الإلهيّ بأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقومه: إنني لم أرسل إليكم إلا لأنذركم بعاقبة ما أنتم عليه، ولأبشر المؤمنين بالنعيم. وأما الذين يسعون في الآيات والأدلة التي أقيمها على الهدى وطرق السعادة، ليحوّلوا عنها الأنظار ويحجبوها عن الأبصار، ويفسدوا أثرها الذي أقيمت لأجله، ويعاجزوا بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أي يسابقوهم ليعجزوهم ويسكتوهم عن القول بذلك. وذلك بلعبهم بالألفاظ وتحويلها عن مقصد قائلها، كما يقع عادة من أهل الجدل والمماحكة- هؤلاء الضالون المضلون هم أصحاب الجحيم. وأعقب ذلك بما يفيد أن ما ابتلي به النبيّ صلى الله عليه وسلم من المعاجزة في الآيات، قد ابتلي به الأنبياء السابقون. فلم يبعث نبي في أمة إلا كان له خصوم يؤذونه بالتأويل والتحريف، ويضادّون أمانيه، ويحولون بينه وبين ما يبتغي، بما يلقون في سبيله من العثرات. فعلى هذا المعنى الذي يتفق مع ما لقيه الأنبياء جميعا، يجب أن تفسر الآية. وذلك يكون على وجهين:
الأول- أن يكون (تمنّى) بمعنى (قرأ) و (الأمنية) بمعنى (القراءة) وهو معنى قد يصح. وقد ورد استعمال اللفظ فيه قال حسان بن ثابت في عثمان رضي الله عنهما:
تمنّى كتاب الله أوّل ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر:
تمنّى كتاب الله أوّل ليله ... تمنّي داود الزبور على رسل
غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذي ذكروه، بل على المعنى المفهوم من قولك (ألقيت في حديث فلان) إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه، ولا يكون قد أراده. أو نسبت إليه ما لم يقله تعللا بأن ذلك الحديث يؤدي إليه. وذلك من عمل