للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)

فإذا حصل عنده علم أنه لم يعاقب إلا مذنبا، فإنه لا يندم ولا يكون فيه خطأ. وقد ذكر الشافعيّ وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين: أحدهما الزنى، والثاني المخنّث «١» ، فيما

روت أم سلمة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها مخنث وهو يقول لعبد الله أخيها: إن فتح الله لكم الطائف غدا، أدلك على ابنة غيلان. فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوهم من بيوتكم) . أخرجاه

،

وفي لفظ (لا يدخل هؤلاء عليكم)

وفي رواية (أرى هذا يعرف مثل هذا. لا يدخلن عليكم بعد اليوم)

وقال ابن جريج: هو هيت. وقال غيره: هنب. وقيل: ماتع. وذكر بعضهم أنهم ثلاثة: نهم وهيت وماتع.

ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى. إنما كان تخنيثهم لينا في القول، وخضابا في الأيدي والأرجل، ولعبا كلعب النساء. وفي السنن: أنه أمر بمخنث فنفي إلى النقيع.

فإذا كان الله أمر بإخراج هؤلاء من البيوت، فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه، شر من هؤلاء: وهو أحق بالنفي. فإن المخنث فيه فساد للرجال والنساء. لأنه إذا تشبه بالنساء، فقد يعاشرنه وهو رجل، فيفسدهن. ولأنها إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل وتعاشر الصنفين. وقد تختار مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال.

وأما إفساده للرجال فهو أن يمكنهم من الفعل به، بمشاهدته وعشقه فإذا خرج إلى بلد ووجد هناك من يفعل به، فهنا يكون نفيه بحبسه في مكان ليس معه غيره فيه.

وإن خيف خروجه، قيد إذ هذا هو معنى نفيه. ولهذا تنازع العلماء في نفي المحارب: هل هو طرده بحيث لا يأوي إلى بلد، أو حبسه، أو بحسب ما يراه الإمام من هذا وهذا؟ فعن أحمد ثلاث روايات: الثالثة أعدل وأحسن. فإن نفيه بحيث لا يأوي إلى بلد لا يمكن، لتفرق الرعية واختلافهم واختلاف هممهم. وحبسه قد لا يمكن لأنه يحتاج إلى مؤونة. وروي أن هنبا لما اشتكى الجوع أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يدخل المدينة من الجمعة إلى الجمعة يسأل ما يقيته، والذي جاءت به الشريعة من النفي هو نوع من الهجرة وليس كنفي الثلاثة «٢» الذين خلفوا، ولا هجرهم. فإنه لم يمنعهم من مشاهد الناس وحضور مجامعهم في الصلاة وغيرها. وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضا. فمن كانت مخالطته تضر، استحق


(١) أخرجه البخاري في: اللباس، ٦٢- باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، حديث رقم ١٩٢٧.
(٢) أخرجه البخاري في: التفسير، ٩- سورة التوبة، ١٨- باب: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، حديث ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>