إليها لأهل العدل والرضا وهم الممتثلون ما أمر الله به بقوله: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء: ١٣٥] الآية، وقوله: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
[الأنعام: ١٥٢] ، وقوله: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [البقرة: ٢٨٣] ، وقوله: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا [البقرة: ٢٨٢] ، وقوله وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ [المعارج: ٣٣] ، فهم يقومون بها بالقسط لله، فيحصل مقصود الذي استشهدوه.
والوجه الثاني- كون شهادتهم مقبولة لأنهم أهل العدل والرضا. فدل على وجوب ذلك في القبول والأداء. وقد نهى الله سبحانه عن قبول شهادة الفاسق بقوله:
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦] الآية. لكن هذا نص في أن الفاسق الواحد يجب التبين في خبره. وأما الفاسقان فصاعدا. فالدلالة عليه تحتاج إلى مقدمة أخرى، وما ذكره من عدد الشهود لا يتعين في الحكم باتفاق العلماء في مواضع. وعند الجمهور يحكم بلا شهود في مواضع عند النكول والرد ونحو ذلك.
ويحكم بشاهد ويمين كما مضت بذلك السنة. ويدل على هذا أن الله لم يعتبر عند الأداء هذا القيد، لا في آية الزنى، ولا في آية القذف. بل قال: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ وإنما أمر بالتثبت عند خبر الفاسق الواحد، ولم يأمر به عند خبر الفاسقين. فإن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد. ولهذا قال العلماء: إذا استراب الحاكم في الشهود، فرّقهم وسألهم عما تبين به اتفاقهم واختلافهم. انتهى.
الثاني: قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : ذهب الجمهور إلى أن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل. ويزول عنه اسم الفسق. سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله، لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا روى البيهقيّ عن ابن عباس في هذه الآية: فمن تاب فشهادته في كتاب الله تقبل. وتأولوا قوله تعالى أَبَداً على أن المراد ما دام مصرّا على قذفه. لأن (أبد كل شيء) على ما يليق به. كما لو قيل: لا تقبل شهادة الكافر أبدا، فإن المراد ما دام مصرّا على الكفر. وبالغ الشعبيّ فقال: إن تاب القاذف قبل إقامة الحد عليه، سقط عنه. وذهبت الحنفية إلى أن الاستثناء يتعلق بالفسق خاصة.
فإذا تاب سقط عنه اسم الفسق، وأما شهادته فلا تقبل أبدا. وقال بذلك بعض التابعين. انتهى.
قال الزمخشريّ: والذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها، أن تكون الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط. كأنه قيل: ومن قذف المحصنات فاجلدوهم، وردّوا