للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَآذُوهُما، فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما

[النساء: ١٥- ١٦] ، وهذا الحكم قد نسخ- أي بيّن- بالحكم الثاني وهو قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: ٢] ، هذه حجة الخوارج. أما حجة الإجماع فهي ورود الآثار الصحيحة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم المحصن، وفعله. وروي لذلك جملة أحاديث وأحكام عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كذا في كتاب (المقابلات) وسبقه الرازيّ في (تفسيره) فطوّل النفس في سوق شبهة الخوارج، وأجاب عنها بما ملخصه: أن الآية المذكورة مخصوصة بالبكر، خصصها الخبر المتواتر بالرجم، وتخصيص القرآن الكريم بخبر الواحد جائز.

فأولى بالمتواتر. وثانيا- قال- إنه لا يستبعد تجدد الأحكام الشرعية بحسب تجدد المصالح. فلعل المصلحة التي تقتضي وجوب الرجم، حدثت بعد نزول تلك الآيات. انتهى.

قال صاحب (المقابلات) : إن الشريعة الإسلامية متفقة مع الشرع العبري في أغلب أحكام الزنى، ولم يرد في الديانة المسيحية نص صريح ينسخ حكم اليهودية في الزنى. ولكن يروى عن عيسى عليه السلام، ما يؤخذ منه ضمنا، عدم إمكان إقامة حد الرجم. لأنه اشترط براءة الراجمين من كل عيب، وأمر الزانية، التي اعترفت بين يديه، بالتوبة والاستغفار. أما حكم الزنى في القوانين الحديثة فيخالف مخالفة كلية لحكم الشريعة الغراء، وحكم التوراة والإنجيل انتهى كلامه.

وفقنا الله لحفظ حدوده، وجنبنا محارمه بمنه وكرمه.

التنبيه الرابع: من مباحث اللفظ في الآية أن يقال: قد وردت الفاصلة في غير هذا الموضع ب (تواب رحيم) فعلام فصلت هنا ب (تواب حكيم) مع أن التوبة مع الرحمة، فيما يظهر؟ (والجواب) أن الله عزّ وجلّ حكم بالتلاعن على الصورة التي أمر بها. وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده. وذلك حكمة منه. ففصلت هذه الآية ب (تواب حكيم) إثر بيان الحكم. جمعا بين التوبة المرجوة من صاحب المعصية، وبين الحكمة في سترها على تلك الصورة. فافهم ذلك. أشار له ابن الأثير في (المثل السائر) .

ثم أشار تعالى إلى نبأ الإفك، وتبرئة عائشة رضي الله عنها، بقوله سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>