للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: ٧٢] ، فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل، والعمه الذي هو فساد البصيرة، فالتعلق بالصور يوجب إفساد العقل، وعمه البصيرة يسكر القلب، كما قال القائل:

سكران: سكر هوى وسكر مدامة ... ومتى إفاقة من به سكران؟

وقال الآخر:

قالوا: جننت بمن تهوى فقلت لهم: ... العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين

السابع- أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة. ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة، وسلطان القدرة والقوة، كما

في الأثر (الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله)

. وضد هذا تجده في المتبع هواه، من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها. وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه. كما قال الحسن:

إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته. والذل قرين معصيته، فقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] ، وقال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: ١٣٩] ، والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن. وقال تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] ، أي من كان يريد العزة فليطبها بطاعة الله وذكره، من الكلم الطيب، والعلم الصالح. وفي دعاء القنوت (إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت) «١» . ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه.

وله من العز بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه. وله من الذل بحسب معصيته.

الثامن- أنه يسدّ على الشيطان مدخله من القلب. فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه، يزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يعده ويمنيه. ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي، التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة. فيصير القلب في اللهب،. فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي


(١) أخرجه أبو داود في: الوتر، ٥- باب القنوت في الوتر، حديث رقم ١٤٢٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>