للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسمها لخبرها. وذلك يدل على عدم وقوعه. واعتذر عن مثل قوله تعالى فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: ٧١] ، وعن مثل قوله (وصلت إليك وما كدت أصل) و (سلمت وما كدت أسلم) بأن هذا وارد على كلامين متباينين. أي: فعلت كذا بعد أن لم أكن مقاربا له، فالأول يقتضي وجود العمل، والثاني يقتضي أنه لم يكن مقاربا له، بل كان آيسا منه. فهما كلامان مقصود بهما أمران متباينان.

وذهبت فرقة رابعة إلى الفرق بين ماضيها ومستقبلها. فإذا كانت في الإثبات فهي لمقاربة الفعل. سواء كانت بصيغة الماضي أو المستقبل. وإن كانت في طرف النفي، فإن كانت بصيغة المستقبل، كانت لنفي الفعل ومقاربته. نحو قوله: لَمْ يَكَدْ يَراها وإن كانت بصيغة الماضي فهي تقتضي الإثبات نحو قوله: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: ٧١] ، فهذه أربعة طرق للنحاة في هذه اللفظة.

والصحيح أنها فعل يقتضي المقاربة. ولها حكم سائر الأفعال. ونفي الخبر لم يستفد من لفظها ووضعها. فإنها لم توضع لنفيه. وإنما استفيد من لوازم معناها.

فإنها إذا اقتضت مقاربة الفعل، لم يكن واقعا، فيكون منفيا باللزوم. وأما إذا استعملت منفية، فإن كانت في كلام واحد، فهي لنفي المقاربة. كما إذا قلت (لا يكاد البطال يفلح) و (لا يكاد البخيل يسود) و (لا يكاد الجبان يفرح) ونحو ذلك.

وإن كانت في كلامين، اقتضت وقوع الفعل، بعد أن لم يكن مقاربا. كما قال ابن مالك: فهذا التحقيق في أمرها.

والمقصود إن قوله: لَمْ يَكَدْ يَراها إما أن يدل على أنه لا يقارب رؤيتها لشدة الظلمة، وهو الأظهر. فإذا كان لا يقارب رؤيتها، فكيف يراها؟ قال ذو الرمة:

إذا غيّر النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى في حبّ ميّة يبرح

أي لم يقارب البراح. وهو الزوال، فكيف يزول؟ فشبه سبحانه أعمالهم أولا، في فوات نفعها وحصول ضررها عليهم، بسراب خداع يخدع رائيه من بعيد. فإذا جاءه وجد عنده عكس ما أمله ورجاه. شبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها، لكونها باطلة خالية عن نور الإيمان، بظلمات متراكمة في لجج البحر المتلاطم الأمواج: الذي قد غشيه السحاب من فوقه. فيا له تشبيها ما أبدعه! وأشد مطابقته بحال أهل البدع والضلال! وحال من عبد الله سبحانه وتعالى على خلاف ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل به كتابه! وهذا التشبيه هو تشبيه لأعمالهم الباطلة بالمطابقة والتصريح،

<<  <  ج: ص:  >  >>