للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني- أن سير الجبال للفناء يوم القيامة، يحصل عند خراب العالم وإهلاك جميع الخلائق وهذا شيء لا يراه أحد من البشر كما قال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: ٦٨] ، أي من الملائكة.

فما معنى قوله إذن وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً؟.

الثالث- أن تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة، إذا رآه أحد شعر به. لأنه ما دام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان، فيحسّ بحركتها. وهذا ينافي قوله تعالى تَحْسَبُها جامِدَةً أي ثابتة. أما في الدنيا فلا نشعر بحركتها، لأننا نتحرك معها ولا يتغير وضعنا بالنسبة لها. وهذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة. فإن الجبال تنفصل عن الأرض وتنسف نسفا. وهذا شيء يراه كل واقف عندها.

الرابع- ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة، لورود آية أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً المذكورة قبلها في نفس هذا السياق، والمراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة الله تعالى، المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن من حركة الأرض وحدوث الليل والنهار، ليكون ذلك دليلا على قدرته على البعث والنشور يوم القيامة فإن القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان، وأن يضبط حركاته وأعماله ويحصيها عليه. ولذلك ختم هذه الآية بقوله إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ فذكر هذه الأشياء في هذا السياق، هو كذكر الدليل مع المدلول، أو الحجة مع الدعوى. وهي سنة القرآن الكريم. فإنك تجد الدلائل منبثة بين دعاويه دائما، حتى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها.

وذلك شيء مشاهد في القرآن من أوله إلى آخره. كلامه.

وقال العلامة المرجانيّ في مقدمة كتابه (وفيّة الأسلاف، وتحيّة الأخلاف) في بحث علم الهيئة، ما مثاله:

ويدل على حركة الأرض قوله تعالى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ الآية. فإنه خطاب لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيذان الأمر له بالأصالة مع اشتراك غيره في هذه الرؤية. وحسبان جمود الجبال وثباتها على مكانها، مع كونها متحركة في الواقع بحركة الأرض، ودوام مرورها مرّ السحاب في سرعة السير والحركة. قال:

وقوله صُنْعَ اللَّهِ من المصادر المؤكدة لنفسها. وهو مضمون الجملة السابقة.

يعني أن هذا المرور هو صنع الله. كقوله تعالى: وَعْدَ اللَّهِ [النساء: ١٢٢] ، صِبْغَةَ اللَّهِ [البقرة: ١٣٨] ، ثم (الصنع) هو عمل الإنسان، بعد تدرّب فيه وتروّ

<<  <  ج: ص:  >  >>