للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. فقال: أي عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟

فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله.

قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله! لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك. فأنزل الله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: ١١٣] ، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: ٥٦] .

قال ابن كثير: وهكذا رواه مسلم «١» في صحيحه والترمذي «٢» أيضا من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم، عن أبي هريرة. والإمام أحمد من حديثه أيضا، وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبيّ وقتادة: إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه الإسلام. انتهى.

وقال ابن حجر في (فتح الباري) : لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب. انتهى. وقدمنا مرارا معنى قولهم نزلت الآية في كذا. فانظر المقدمة، وغير موضع بعدها.

ثم ذكر تعالى من تعنتهم، شبهة استروح بها الحارث بن عامر بن نوفل، فيما رواه النسائي، قوله سبحانه: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ أي ونخالف العرب نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي مكة. فرد عليهم تعالى بقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً أي: ألم نعصمهم من عدوّهم ونجعل مكانهم حرما ذا أمن، لحرمة البيت الحرام، الذي تتناجز العرب حوله وهم آمنون يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي جهلة لا يتفكرون. ولو علموا أن ذلك رزق من عند الله، لعلموا أن الخوف والأمن من عنده، ولما خافوا التخطف إذ آمنوا به وخلعوا أنداده. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي كفرت بها فلم تحفظ حق الله فيها فدمرت فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ أي منهم. إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم. وموصوف (قليلا) المستثنى، إما (زمان) أي إلا


(١) أخرجه في: الإيمان، حديث ٣٩.
(٢) أخرجه في: التفسير، ٢٨- سورة القصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>