إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أوجب عليك تلاوته على الناس، وتبليغه إليهم، وصدعهم به لَرادُّكَ أي بعد الموت إِلى مَعادٍ أي مرجع عظيم. وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه. فتنوينه للتعظيم. ووجهه- كما في (العناية) - أن المعاد صار كالحقيقة في المحشر. لأنه ابتداء العود إلى الحياة، ورده إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيما لعظمة مقامه فيه.
وقال ابن كثير: المعاد هو يوم القيامة. يسأله عما استرعاه من أعباء النبوّة. كما قال تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: ٦] ، وقال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ [المائدة: ١٠٩] ، وقال وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ [الزمر: ٩٦] وعن ابن عباس روايات: إلى يوم القيامة. إلى الموت. إلى الجنة أخرجت عنه من طرق. كما أسنده ابن كثير.
والذي رواه البخاري والنسائي وابن جرير عن ابن عباس قال:(لرادك) إلى مكة كما أخرجك منها. وعن الضحاك قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة، اشتاق إلى مكة. فنزلت الآية.
قال ابن كثير: وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية، وإن كان مجموع السورة مكيّا، والله أعلم.
ثم قال: ووجه الجمع بين هذه الأقوال، أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة، وهو الفتح، الذي هو عند بن عباس أمارة على اقتراب أجل النبيّ صلى الله عليه وسلم. كما فسر ابن عباس سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) أنه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر ابن الخطاب ووافقه عمر على ذلك، وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم. ولهذا فسر بن عباس تارة أخرى قوله تعالى: لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ بالموت.
وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت. وتارة بالجنة التي هي جزاؤه على أدائه رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين الجن والإنس. ولأنه أكمل خلق الله على الإطلاق. انتهى.
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى يعني نفسه الكريمة. أي بما يستحقه من المثوبة وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني المشركين. أي بما يستحقونه من العذاب. والجملة تقرير للوعيد السابق وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ أي ما كنت تظن، قبل