هونت بعد ذلك؟ قلت: الإعادة في نفسها عظيمة. لكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء. انتهى.
قال الناصر: إنما يلقي في السؤال تعظيم الإعادة من عطفها ب (ثم) إيذانا بتغاير مرتبتها وعلوّ شأنها. وقوله (في الجواب) : إنها هونت بالنسبة إلى الإنشاء، لا يخلص. فن الإعادة ذكرت هاهنا عقيب قيام السموات والأرض بأمره. وقيامهما ابتداء وإنشاء أعظم من الإعادة. فيلزم تعظيم الإعادة بالنسبة إلى ما عطف عليه من الإنشاء.
ويعود الإشكال. والمخلص، والله أعلم، جعل (ثم) على بابها لتراخي الزمان لا لتراخي المراتب. وإن سلم أنها لتراخي المراتب، فعلى أن تكون مرتبة المعطوف عليه العليا، ومرتبة المعطوف هي الدنيا. وذلك نادر في مجيئها لتراخي المراتب.
فإن المعطوف حينئذ في أكثر المواضع، أرفع درجة من المعطوف عليه، والله أعلم.
انتهى.
وفي حواشي القاضي: إن (ثم) إما لتراخي زمان المعطوف فتكون على حقيقتها. أو لعظم ما في المعطوف من إحياء الموتى، فتكون للتفاوت في الرتبة لا للتراخي الزمانيّ. والمراد عظمه في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه. فلا ينافي قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وكونه أعظم من قيام السماء والأرض، لأنه المقصود من الإيجاد والإنشاء، وبه استقرار السعداء والأشقياء في الدرجات والدركات. وهو المقصود من خلق الأرض والسموات. فاندفع اعتراض الناصر بأنه، على تسليمه، مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا، مع أن كون المعطوف في مثله أرفع درجة، أكثريّ لا كلّي. كما صرح به الطيبيّ هنا. فلا امتناع فيما منعه. وهي فائدة نفيسة.
ويجوز حمله على مطلق البعد الشامل للزمانيّ والرتبيّ كما في (شرح الكشاف) وقوله تعالى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يدانيه فيهما. كالقدرة العامة والحكمة التامة. وذلك لأنّه لما جعل ما ذكر أهون عليه على طريق التمثيل، عقبه بهذا. فكأنه قيل هذا، لتفهم العقول القاصرة أن صفاته عجيبة وقدرته عامة وحكمته تامة. فكل شيء بدءا وإعادة وإيجادا وإعداما، عنده على حد سواء، ولا مثل له ولا ند. وقال الزجاج: المراد بالمثل قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فاللام فيه للعهد. فحمل المثل على ظاهره. وعلى ما ذكر أولا، هو مجاز عن الوصف العجيب. فيشمل القول وغيره مما هو جار على ألسنة الدلائل ولسان كل قائل. وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب على أمره، الذي لا يعجزه بدء ممكن وإعادته الْحَكِيمُ الذي يجري أفعاله على سنن الحكمة والمصلحة.