بينهما إلا سنة واحدة. وأجيب عن هذا بجوابين: أحدهما- أن ابن عمر أخبر أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ردّه لما استصغره عن القتال، وأجازه لما وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقا. وليس في هذا ما ينفي تجاوزها بسنة أو نحوها. والثاني- أنه لعله كان يوم أحد في أول الرابع عشرة. ويوم الخندق في آخر الخامس عشرة.
ثم قال ابن القيّم رحمه الله: وكان سبب غزوة الخندق، أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أحد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك ثم رجع للعام المقبل، خرج أشرافهم كسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع وغيرهم إلى قريش بمكة. يحرّضونهم على غزو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويوالونهم عليه. ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم.
فأجابتهم قريش. ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم. ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك. فاستجاب لهم من استجاب. فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف. ووافاهم بنو سليم بمرّ الظهران. وخرجت بنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة. وجاءت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن. وكان قد وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف. فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمسيرهم إليه، استشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدوّ وبين المدينة. فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبادر إليه المسلمون. وعمل بنفسه فيه وبادروا. وهجم الكفار عليهم. وكان في حفره من آيات نبوّته وأعلام رسالته ما قد تواتر الخبر به. وكان حفر الخندق أمام سلع. وسلع جبل خلف ظهور المسلمين. والخندق بينهم وبين الكفار.
وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثلاثة آلاف من المسلمين. فتحصن بالجبل من خلفه وبالخندق أمامهم.
وقال ابن إسحاق: خرج في سبعمائة. (وهذا غلط من خروجه يوم أحد) .
وأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة. واستخلف عليها ابن أم مكتوم وانطلق حييّ بن أخطب إلى بني قريظة. فدنا من حصنهم. فأبى كعب ابن أسد أن يفتح له. فلم يزل يكلمه حتى فتح له. فلما دخل عليه قال: لقد جئتكم بعزّ الدهر. جئتك بقريش وغطفان وأسد على قادتها، لحرب محمد. قال: قال كعب: جئتني، والله! بذل الدهر وبجهام قد أراق ماءه. فهو رعد وبرق. فلم يزل به حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ودخل مع المشركين في محاربته، فسرّ بذلك المشركون. وشرط كعب على حييّ أنه، إن لم يظفروا بمحمد، أن يجيء