قال ابن كثير: وهذا الاحتمال أرجح، جمعا بين القرآن والأحاديث المتقدمة، إن صحت. فإن في بعض أسانيدها نظرا. انتهى.
وقال أبو السعود: وهذه كما ترى آية بينة، وحجة نيرة، على كون نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أهل بيته، قاضية ببطلان رأي الشيعة في تخصيصهم أهلية البيت بفاطمة وعليّ وابنيهما رضوان الله عليهم. وأما ما تمسكوا به من حديث الكساء وتلاوته صلّى الله عليه وسلّم الآية بعده، فإنما يدل على كونهم من أهل البيت، لا على أن من عداهم ليسوا كذلك. ولو فرضت دلالته على ذلك لما اعتدّ بها، لكونها في مقابلة النص. انتهى.
بقي أن الشيعة، تمسكوا بالآية أيضا على عصمة عليّ رضي الله عنه، وإمامته دون غيره.
قال ابن المطهر الحلي منهم: وفي هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظ (إنما) وإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وغيرهم ليس بمعصوم إلخ. وأجاب ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة) بقوله: ليس في هذا دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم. وتحقيق ذلك في مقامين: أحدهما- أن قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً كقوله ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ [المائدة: ٦] ، وكقوله يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥] ، وكقوله يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً [النساء: ٢٦- ٢٧] ، فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به. ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدّره، ولا أنه يكون لا محالة. والدليل على ذلك، أن
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية قال (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)
فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير. فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم، لم يحتج إلى الطلب والدعاء.
وهذا على قول القدرية أظهر. فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد. فليس في كونه تعالى مريدا لذلك، ما يدل على وقوعه.