[الأنعام: ١٤٥] ، وقوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [المائدة: ٩٠] ، وإذهاب ذلك إذهاب لكله. ونحن نعلم أن الله أذهب عن أولئك السادة الشرك والخبائث. ولفظ (الرجس) عامّ يقتضي أن الله يذهب جميع الرجس. فإن النبيّ صلى الله عليه وسلّم دعا بذلك. وأما قوله (وطهرهم تطهيرا) فهو سؤال مطلق بما يسمى طهارة. وبعض الناس يزعم أن هذا مطلق فيكتفي فيه بفرد من أفراد الطهارة. ويقول مثل ذلك في قوله فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الحشر: ٢] ، ونحو ذلك. والتحقيق أنه أمر بمسمى الاعتبار الذي يقال عند الإطلاق. كما إذا قيل: أكرم هذا، أي افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراما. وكذلك ما يسمى عند الإطلاق اعتبارا. والإنسان لا يسمى معتبرا إذا اعتبر في قصة، وترك ذلك في نظيرها. وكذلك لا يقال (هو طاهر) أو (متطهر) أو (مطهر) إذا كان متطهرا من شيء، متنجسا بنظيره. ولفظ (الطاهر) كلفظ (الطيب) قال تعالى: وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ [النور: ٢٦] ، كما قال الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ [النور: ٢٦] ، وقد روي أنه قال لعمّار:
ائذنوا له. مرحبا بالطيب المطيب. وهذا أيضا كلفظ (المتقي) و (المزكي) قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس: ٩- ١٠] ، وقال: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة: ١٠٣] ، وقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: ١٤] ، وقال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ [النور: ٢١] ، وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب. فإن هذا، لو كان كذلك، لم يكن في الأمة متّق، بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين. كما قال إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء: ٣١] ، فدعاء النبيّ صلى الله عليه وسلّم بأن يطهرهم تطهيرا، كدعائه بأن يزكيهم ويطيبهم ويجعلهم متقين، ونحو ذلك ومعلوم أن من استقرّ أمره على ذلك، فهو داخل في هذا. لا تكون الطهارة التي دعا بها لهم بأعظم مما دعا به لنفسه.
وقد قال «١» :
(١) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث ٢٠٤ عن عبد الله بن أبي أوفى. [.....]