للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه ورفعه عن الدنس والشرك. وإنما أوقع المنع على المساجد، وإن كان الممنوع هو الناس لما أن المآل عائد لها. ولا يقال: كيف قيل مساجد والمراد المسجد الحرام فقط؟ لأنه لا بأس أن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصّا، كما تقول، لمن آذى صالحا واحدا: ومن أظلم ممن آذى الصالحين؟ وكما قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: ١] ، والمنزول فيه واحد. وقوله أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام، ويذلّ لهم المشركين، حتى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفا. يخاف أن يؤخذ فيعاقب. أو يقتل إن لم يسلم. وقد أنجز الله صدق هذا الوعد فمنعهم من دخول المسجد الحرام. ونادى فيهم عام حجّ أبو بكر رضي الله عنه «ألا لا يحجن بعد العام مشرك» . فحج النبي صلّى الله عليه وسلّم من العام الثاني ظاهرا على المسجد الحرام، لا يجترئ أحد من المشركين أن يحج ويدخل المسجد الحرام. وهذا هو الخزي لهم في الدنيا، المشار إليه بقوله تعالى لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ لأن الجزاء من جنس العمل. فكما صدوا المؤمنين صدّوا عنه وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو عذاب النار لما انتهكوا من حرمة البيت وامتهنوه، من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير الله، والطواف به عريا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله، وفي الآية وجه آخر وهو أن الآية في ذم اليهود، تبعا للسابق واللاحق، وما جنوه بكفرهم على بيت المقدس من خرابه وتسليط عدوّهم عليهم حتى خربه ودمر مدينتهم، وقتل وسبى منهم وأسرهم وبقوا في الأسر البابليّ سبعين سنة، كل ذلك كان برفضهم كتاب الله والعمل بشريعته. وفي قوله تعالى: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ إشارة إلى رجوعهم إليه بعد الأسر على تخوف من العدوّ ومذلة لصقت بهم. وهو وجه وجيه. لأن لفظ «سعى» يرشد إلى ذلك. كما أن مفهومها يشعر بذم القائمين على الخراب بالأولى وهم النصارى، حينما تمكنت سلطتهم انتقاما من أعدائهم اليهود.

روى ابن جرير عن مجاهد، قال في الآية: هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى. ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. وقال قتادة: حملهم بعض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابليّ المجوسيّ على تخريب بيت المقدس. وتدل على أن أماكن العبادة تصان وتحترم، لأنها المدرسة العامة التي تتلى فيها الحكم والأحكام والإرشاد إلى سبل السلام.

وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، فيما

رواه الإمام أحمد عن بسر بن أرطاة قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: اللهم أحسن عاقبتنا في

<<  <  ج: ص:  >  >>