من عين فصاحته. فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع. كما أن في آية بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ [النور: ٦١] ، أمتن وأبلغ من الإفراد. ولكل مقام مقال ولكل مجال حال وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها.
أي يتزوجها ويرغب في قبول هبة نفسها بدون مهر. وقد سمى من الواهبات ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن.
وفي البخاريّ «١» عن عائشة قالت: «كنت أغار في اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب: ٥١] الآية- قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» .
وعن ابن عباس، أنه لم يكن عنده صلّى الله عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها له. أي أنه لم يقبل ذلك وإن كان مباحا له. لأنه مردود إلى إرادته. والله أعلم.
قال ابن القيّم: وأما من خطبها صلّى الله عليه وسلّم ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس. وقال بعضهم: هن ثلاثون امرأة. وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلّى الله عليه وسلّم، لا يعرفون هذا بل ينكرونه.
قال أبو السعود: وإيراده عليه الصلاة والسلام في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات، للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه السلام حسب اختصاصها به كما ينطبق به قوله تعالى خالِصَةً لَكَ أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصا، فهي مصدر مؤكد، أو صفته أي هبة خالصة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي فإنهم لا تحل لهم الموهوبة إلا بوليّ ومهر، خوف أن يستسري النساء وينتشر الفحش بدعوى ذلك. قال قتادة: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل، بغير وليّ ولا مهر إلا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ أي على المؤمنين فِي أَزْواجِهِمْ أي في حلّها من الوليّ والشهود والمسمى وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي في حلها من توسيع الأمر فيها.
وقال السيوطي في (الإكليل) : فسر بالاستبراء، وليس له في القرآن ذكر إلا ها هنا.
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٣٣- سورة الأحزاب، ٧- باب قوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء، حديث ٢٠٣٣.