للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به. فهو فرض عليهن بلا خلاف، في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها. ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في (الموطأ) أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها. وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها يستر شخصها.

انتهى.

وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن. وقد كن بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحججن ويطفن. وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص. وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء، لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب. انتهى.

ومما يؤيده ما

رواه البخاريّ «١» في التفسير عن عائشة رضي الله عنها. قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها. وكانت امرأة جسيمة، لا تخفى على من يعرفها. فرآها عمر بن الخطاب. فقال: يا سودة! أما والله! ما تخفين علينا.

فانظري كيف تخرجين.

قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا. قالت فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجنّ لحاجتكن.

قال الكرمانيّ: فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وفي الوضوء- أي من البخاريّ- أنه كان قبل الحجاب. فالجواب لعله وقع مرتين.

قال ابن حجر: قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني.

والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبويّ، حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام: احجب نساءك، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب. ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعا


(١) أخرجه في: التفسير، ٣٣- سورة الأحزاب، ٨- باب قوله لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ حديث رقم ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>