للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: ١٨] ، سورة يونس، وقد جاء في السورة التي نقرؤها كل يوم في الصلاة وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فلا استعانة إلا به، وقد صرح الكتاب بأن أحدا لا يملك للناس من الله نفعا ولا ضرّا، وهذا هو التوحيد الذي كان أساس الرسالة المصطفوية كما بيّنا. ثم البرهان العقليّ يرشد إلى أن الله تعالى في أعماله لا يقاس بالحكام وأمثالهم في التحول عن إرادتهم، بما يتخذه أهل الجاه عندهم، لتنزّهه جل شأنه عن ذلك. ولو أراد مبتدع أن يدعو إلى هذه العقيدة، فعليه أن يقيم عليها الدليل الموصل إلى اليقين، إما بالمقدمات العقلية البرهانية أو بالأدلة السمعية المتواترة. ولا يمكنه أن يتخذ حديثا من حديث الآحاد دليلا على العقيدة مهما قوي سنده. فإن المعروف عند الأئمة قاطبة أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن.

وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم: ٢٨] ، انتهى كلامه رحمه الله.

ثم راجعت (اقتضاء الصراط المستقيم) للإمام العلم تقيّ الدين ابن تيمية رضي الله عنه. فرأيته ذكر نحوا من ذلك، وعبارته: فالوسيلة التي أمر الله بابتغائها، تعمّ الوسيلة في عبادته وفي مسألته. فالتوسل إليه بالأعمال الصالحة التي أمر بها، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم، ليس هو من باب الإقسام عليه بمخلوقاته.

ومن هذا الباب استشفاع الناس بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة، فإنهم يطلبون منه أن يشفع لهم إلى الله، كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم في الاستسقاء وغيره:

وقول عمر رضي الله عنه (إنا كنا، إذا أجدبنا، توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا) معناه نتوسل بدعائه وشفاعته وسؤاله، ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وسؤاله وشفاعته. ليس المراد به، إنا نقسم عليك به. أو ما يجري هذا المجرى مما يفعل بعد موته وفي مغيبه. كما يقوله بعض الناس: أسألك بجاه فلان عندك. ويقولون: إنا نتوسل إلى الله بأنبيائه وأوليائه، ويروون حديثا موضوعا (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عريض) فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه، كما ذكر عمر رضي الله عنه، لفعلوا ذلك بعد موته، ولم يعدلوا عنه إلى العباس. مع علمهم أن السؤال به والإقسام به، أعظم من العباس.

فعلم أن ذلك التوسل الذي ذكروه، وهو مما يفعل بالأحياء دون الأموات. وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم. فإن الحيّ يطلب منه ذلك والميت لا يطلب منه شيء، لا دعاء ولا غيره. وكذلك حديث الأعمى. فإنه طلب من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يدعو له ليردّ الله عليه بصره. فعلّمه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعاء أمره فيه، أن يسأل الله قبول شفاعة نبيّه فيه.

فهذا يدل على أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شفع فيه، وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته، وأن

قوله (أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرحمة)

أي بدعائه وشفاعته. كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>