ثم قال السيوطيّ: فسّر الذّبح العظيم في الأحاديث والآثار بكبش. فاستدل به المالكية على أن الغنم في التضحية أفضل من الإبل. انتهى.
الثالث- استدل بالآية على أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وقوعه- كما ذكره الرازي- وذلك في باب الابتلاء. أي ابتلاء المأمور في إخلاصه وصدقه، فيما يشق على النفس تحمله.
الرابع- يذكر كثير الخلاف في الذبيح، قال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) :
وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى من أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم. فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه (بكره) . وفي لفظ (وحيده) ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده. والذي غرّ وأصحاب هذا القول إن في التوراة التي بأيديهم (اذبح ابنك إسحاق) قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم. لأنهم تناقض قوله (بكرك)(وحيدك) ولكن يهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويختارونه دون العرب. ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله. وكيف يسوغ أن يقال إن الذبيح إسحاق، والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة أنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: ٧٠- ٧١] ، فمحال أن يبشرها بأنه يكون له ولد ثم يأمر بذبحه. ولا ريب أن يعقوب داخل في البشارة. فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ الواحد. وهذا ظاهر الكلام وسياقه. فإن قيل، لو كان الأمر كما ذكرتموه لكان يعقوب مجرورا عطفا على إسحاق، فكانت القراءة وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ أي ويعقوب من وراء إسحاق.
قيل لا يمنع الرفع أن يكون يعقوب مبشرا به. لأن البشارة قول مخصوص: وهي أول خبر سارّ صادق. وقوله: وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ جملة متضمنة بهذه القيود، فيكون بشارة بل حقيقة البشارة هي الجملة الخبرية. أو لما كانت البشارة قولا، كان موضع هذه الجملة نصبا على الحكاية بالقول. كأن المعنى: وقلنا لها من وراء إسحاق يعقوب والقائل إذا قال: بشرت فلانا بقدوم أخيه، وثقله في أثره، لم يعقل منه إلا بشارة بالأمرين جميعا. هذا مما لا يستريب ذو فهم فيه البتة. ثم يضعف الجر