للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث- أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها. فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.

وقال: فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقا مطابقا موافقا.

ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات.

قال: وأنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة. مع أن العقل والنقل يردها. وليس لهم في إثباتها شبهة فضلا عن حجة فإن قيل: إن الجمهور فسّروا الآية بذلك الوجه، فما قولك فيه؟ فنقول: لنا هاهنا مقامان:

المقام الأول- أن ندعي أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها. وقد ظهر، والحمد لله، أن الأمر كما ذكرناه، وظهوره لا يرتاب العاقل فيه.

المقام الثاني- أن يقال: هب أن لفظ الآية لا يدل عليه، إلا أنه كلام ذكره الناس. فما قولك فيه؟ وجوابنا أن الأدلة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام. ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات. ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية، فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم؟

والله أعلم. انتهى كلام الرازي.

وسبقه ابن حزم حيث قال: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة. خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة. قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها، والتمثيل بها. وإتلاف مال منتفع به بلا معنى. ونسبة تضييع الصلاة إلى نبيّ مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها. وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير. من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها. ثم أمر بردها. فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده، برّا بها وإكراما لها، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره. وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة. وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين. فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ انتهى كلام ابن حزم.

وأقول: الذي يتجه أن هذه القصة أشير بها إلى نبأ لديهم. لأن التنزيل الكريم مصدق الذي بين يديه. إلا أن له الهيمنة عليه. فما وقف فيه على حدّ من أنباء ما بين يديه، يوقف عنده ولا يتجاوز. وحينئذ، فالقصة المعروفة عندهم هي التي أشير إليها. لكن مع الهيمنة عليها، إذ لا تقبل على علّاتها. وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>