والأرض. وكذلك قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق: ٣٨] ، فإن نفي مس اللغوب، الذي هو التعب والإعياء، دل على كمال القدرة ونهاية القوة. بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه. وكذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [الأنعام: ١٠٣] ، إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية. لأن المعدوم لا يرى، وليس في كونه لا يرى مدح. إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا. وإنما المدح في كونه لا يحاط به، وإن رئي. كما أنه لا يحاط به وإن علم، فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية. فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته، ما يكون مدحا وصفة كمال. وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها. لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة. وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا، هو مما لم يصف الله به نفسه. فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب، لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا، بل ولا موجودا. وكذلك من شاركهم في بعض ذلك. كالذين قالوا لا يتكلم أو لا يرى أو ليس فوق العالم أو لم يستو على العرش. ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا مباين للعالم ولا مجانب له، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي صفة مستلزمة صفة ثبوت. ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخالق ميّز لنا بين هذا الرب الذي نثبته وبين المعدوم. وكذلك كونه لا يتكلم أو لا ينزل، ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال. بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات. فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات والناقص. فمن قال لا هو مباين للعالم ولا مداخل للعالم، فهو بمنزلة من قال لا هو قائم بنفسه ولا بغيره ولا قديم ولا محدث ولا متقدم على العالم ولا مقارن له. ومن قال إنه ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا متكلم، لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم. فإن قال العمى عدم البصر عما من شأنه أنه يقبل البصر، وما لم يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير، قيل له هذا اصطلاح اصطلحتموه. وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة. وأيضا فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها. فإن الله قادر على جعل الجماد حيّا كما جعل عصا موسى حية ابتلعت الحبال والعصي. وأيضا فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصا مما يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها. فالجماد الذي