شركاء وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وعلى الثاني، فإسناد الشرع إليها، لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به. أو لأنها على صورة المشرّع الذي سنّ هذا الضلال لهم. ويجوز كون الاستفهام المقدّر حينئذ للإنكار. أي ليس لهم شرع ولا شارع.
كما في قوله: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء: ٤٣] ، وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ أي القضاء السابق بأن الجزاء في القيامة لا في الدنيا. أو لولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ويبيّن في الآخرة. فالفصل بمعنى البيان لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفرغ من الحكم بين الكافرين والمؤمنين، بتعجيل العذاب للكافرين وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ أي يوم البعث مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا أي من السيئات وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي نازل بهم لا محالة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً أي لا أسألكم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم، وتصلوا الرحم التي بيننا. ولا يكن غيركم، يا معشر قريش، أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم.
قال الشهاب: المودة مصدر مقدر ب (أن والفعل) . والقربى مصدر كالقرابة.
و (في) للسببية. وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة. والخطاب، إما لقريش أو لجميع العرب، لأنهم أقرباء في الجملة. انتهى. والاستثناء منقطع. ومعناه نفي الأجر أصلا. لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم، لكونها سبب نجاتهم. فلا تصلح أن تكون أجرا له. وقيل: المعنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. وقيل (القربى) التقرّب إلى الله تعالى. أي إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه.
والمعنى الأول هو الذي عوّل عليه الأئمة. ولم يرتض ابن عباس رضي الله عنه، غيره.
ففي البخاري «١» عنه أنه سئل عن قوله تعالى: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد ابن جبير: القربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
قال ابن كثير: انفرد به البخاري- أي عن مسلم- ورواه الإمام أحمد. وهكذا
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٤٢- سورة الشورى، ١٠- باب قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، حديث رقم ١٦٤٣.