أقول: سيأتي مرفوعا عن جابر أنها سورة الرحمن.
ثم قال الماورديّ:
والوجه الثاني- أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق، هداية من الله تعالى، حتى أتوا نبيّ الله ببطن نخلة، فنزل عليه جبريل بهذه الآية، وأخبره بوفود الجن، وأمره بالخروج إليهم، فخرج ومعه ابن مسعود، حتى جاء الحجون. قال ابن مسعود: فخط عليّ خطّا وقال: لا تجاوزه.
فعلى الوجه الأول، لم يعلم بهم حتى أتوه. وعلى الوجه الثاني، أعلمه جبريل قبل إتيانهم. واختلف أهل العلم في رؤيته لهم، وقراءته عليهم. فحكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يرهم، ولم يقرأ عليهم، وإنما سمعوا قراءته حين مروا به مصليا. وحكى ابن مسعود أنه رآهم. وقرأ عليهم القرآن.
أقول: تقدم لابن كثير ما فيه كفاية-.
ثم قال الماورديّ: وفي قوله فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف: ٢٩] وجهان:
أحدهما- فلما حضروا قراءته القرآن قالوا: أنصتوا لسماعه.
والوجه الثاني: فلما حضروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: أنصتوا لسماع قوله. انتهى.
قال ابن كثير: وهذا- أي قولهم أنصتوا- أدب منهم.
وقد روى البيهقيّ عن جابر قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: مالي أراكم سكوتا؟ للجنّ كانوا أحسن منكم ردا. ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن: ٤٢] ، إلا قالوا: ولا بشيء من آلائك أو نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد، ورواه الترمذي «١»
وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد ابن مسلم عن زهير.
الثالث- دل قوله تعالى يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [الأحقاف: ٣٢] ، على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان عامّ الرسالة إلى الإنس والجن.
قال ابن كثير: لأنه دعا الجن إلى الله تعالى، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرحمن، ولهذا قال أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ.
(١) أخرجه الترمذي في: التفسير، ٥٥- سورة الرحمن، باب حدثنا عبد الرحمن بن واقد.