للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزكوا أنفسهم بالعلم والعمل الصالح، فمن لم يزك نفسه لم يكن شاهدا ومقبولا.

ولذلك قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس: ٩] وعلى هذا قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [النساء: ١٣٥] ، فالقيام بالقسط مراعاة العدالة. وهي، بالقول المجمل، ثلاث: عدالة بين الإنسان ونفسه- وعدالة بينه وبين الناس- وعدالة بينه وبين الله عز وجل. فمن رعى ذلك فقد صار عدلا شاهدا لله عز وجل. (إن قيل) فهل هم شهود على بعض الأمة أم على الناس كافة؟ (قيل) بل كلّ شاهد نفسه وعلى أمته وعلى الناس كافة. فإن من عرف حكمة الله تعالى وجوده وعدله ورأفته، علم أنه لم يغفل تعالى عنه ولا عن أحد من الناس، ولا بخل عليهم ولا ظلمهم، ومن علم ذلك فهو شاهد لله على من في زمانه وعلى من قبله ومن بعده. وعلى هذا الوجه ما روي في الخبر أن هذه الأمة تشهد للأنبياء على الأمم. انتهى كلام الراغب. والخبر الذي أشار إليه

رواه البخاري عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب. فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟ فيقول:

محمد وأمته. فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا» «١»

. فذلك قوله جل ذكره وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وقد روي مرفوعا عن جابر. أخرجه الطبري. وعن ثلة من التابعين من قولهم.

وأقول: قد بينا مرارا، أن مثل هذا الخبر وكل ما يروى مرفوعا أو غير مرفوع في تأويل هذه الآية، فكله يفيد أن للآية عموما يشمل ما ذكر. لا أنها خاصة به لا يستفاد منها غيره. كما أوضحناه في المقدمة في قولهم: نزلت الآية في كذا.

وعليه، فلا تنافي بين ما يفهم من سياق الآية أو ما يتقاضاه معناها لغة، من حيث عمومها، أو ما يحمل عليها من نظائرها في التنزيل الكريم، وبين ما يروى في تفسيرها. فمآل ما يتعدد من سبب النزول في آية ما، أو ما يكثر من الآثار في وجوهها، كله من باب تفسير العامّ ببعض ما يتناوله لفظه. ولذلك يكثر في بعض طرق الروايات: ثم تلا النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى. أو ثم قرأ. أو أقرأوا إن شئتم. مما يدل على أنه ذكرت الآية حجة لما أخبر به، لأنه مما يندرج فيها. فاحرص على ذلك.


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، سورة البقرة، باب وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>