وكلاهما قد تقدم عليه وصف المؤمنين. والفرق بين تركه أيضا في قوله: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا.. [الشعراء: ١٥٤] وبين الآية الأخرى:
وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [الشعراء: ١٨٦] . والفرق بين الرفع في قوله: قالَ سَلامٌ [هود: ٦٩] والنصب فيما قبله من قوله: قالُوا سَلاماً [هود: ٦٩] .
والفرق بين الإتيان بالفعل في التذكر من قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف: ٢٠١] وبين الإتيان باسم الفاعل في الإبصار من قوله:
فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.. أو فهم الفرق بين «إذا» «وإن» في قوله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ...
[الأعراف: ١٣١] وبين جاءتهم وتصبهم بالماضي مع إذا، والمستقبل مع إن وكذلك قوله: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ [يونس: ٢١] مع إتيانه بقوله: «فرحوا» بعد «إذا» و «يقنطون» بعد «إن» وأشباه ذلك من الأمور المعتبرة عند متأخري أهل البيان، فإذا حصل فهم ذلك كله على ترتيبه في اللسان العربي، فقد حصل فهم ظاهر القرآن.
ومن هنا حصل إعجاز القرآن عند القائلين بأن إعجازه بالفصاحة. فقال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ..
[البقرة: ٢٣] الآية. وقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [هود: ١٣] وهو لائق أن يكون الإعجاز بالفصاحة لا بغيرها. إذ لم يؤتوا على هذا التقدير إلا من باب ما يستطيعون مثله في الجملة.
ولأنهم دعوا وقلوبهم لاهية عن معناه الباطن الذي هو مراد الله من إنزاله. فإذا عرفوا عجزهم عنه عرفوا صدق الآتي به وحصل الإذعان، وهو باب التوفيق والفهم لمراد الله تعالى. وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبودية والإقرار لله بالربوبية، فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله.
ويتبين ذلك بالشواهد المذكورة آنفا.
ومن ذلك أنه لما نزل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.. [الحديد: ١١] . قال أبو الدحداح: إن الله كريم استقرض منا ما أعطانا. هذا معنى الحديث. وقالت اليهود: إن الله فقير ونحن أغنياء. ففهم أبو الدحداح هو الفقه وهو الباطن المراد.
وفي رواية قال أبو الدحداح: يستقرضنا وهو غنيّ. فقال عليه السلام: نعم