للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ١٤٨] ، فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير. فيقدر أن يهدي العباد ويقلّب قلوبهم. وإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فلا يكون في ملكه ما لا يريد. ولا يعجز عن إنفاذ مراده.

وإنه خالق كل شيء من الأعيان والصفات والحركات. ويؤمنون أن العبد له قدرة ومشيئة وعمل. وأنه مختار. ولا يسمونه مجبورا. إذ المجبور من أكره على خلاف اختياره. والله سبحانه جعل العبد مختارا لما يفعله. فهو مختار مريد. والله خالقه وخالق اختياره. وهذا ليس له نظير. فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد، وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية. ويكذبون بشفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبين المرجئة الذين يقولون:

إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء. والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان.

ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية. فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فسّاق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله. وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة. وأنهم لا يخلدون في النار بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو مثقال خردلة من إيمان. وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ادّخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته. وهم أيضا في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهم، وسط بين الغالية الذين يغالون في عليّ رضي الله عنه فيفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا، وكفروا الأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبيا أو إلها. وبين الجافية الذين يعتقدون كفره وكفر عثمان رضي الله عنهما، ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما. ويستحبون سب عليّ وعثمان ونحوهما. ويقدحون في خلافة عليّ رضي الله عنه وإمامته.

وكذلك في سائر أبواب السنة هم وسط. لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان انتهى.

وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها أي ما شرعنا القبلة، كقوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ [المائدة: ١٠٣] أي ما شرعها. والَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ليس بصفة للقبلة إنما هو ثاني مفعوليّ (جعل) أي وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها أي في مكة تستقبلها قبل الهجرة وهي الكعبة. يعني: وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء. أو كُنْتَ عَلَيْها بمعنى صرت عليها الآن. كقوله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>