للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو في الحقيقة الأول. لأن التغيير داخل في المعلوم لا في العلم. (والثالث) معناه ليعلم غيرنا بنا. فنسب ذلك إلى نفسه. كقوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] ، وفي موضع آخر قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة: ١١] ، وقال تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ

[النساء: ١١٣] ، وإنما علّمه بملائكته. (والرابع) معناه لنجازي. وذلك متعارف. نحو قولك: سأعلم حسن بلائك. أي سأجزيك على حسب مقتضى علمي قبل. فعبّر عن الجزاء بالعلم لما كان هو سببه (والخامس) أن عادة الحليم إذا أفاد غيره علما أن يقول: تعال حتى نعلم كذا. وإنما يريد إعلام المخاطب. لكن يحله نفسه محل المشارك للمتعلم على سبيل اللطف. انتهى.

والوجه الثالث هو الذي اختاره الإمام ابن جرير قال: أما معناه عندنا: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي: من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه (قال) وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس، إلى الرئيس. وما فعل بهم، إليه. نحو قولهم: فتح عمر بن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سبب كان منه في ذلك، وكالذي

روي في نظيره عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقول الله جل ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي.

واستقرضته فلم يقرضني» «١»

فأضاف، تعالى ذكره، الاستقراض والعيادة إلى نفسه وقد كان ذلك بغيره، إذ كان ذلك عن سببه.

قد حكي عن العرب سماعا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري.

بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم. فكذلك قوله إِلَّا لِنَعْلَمَ بمعنى: يعلم أوليائي وحزبي.

وَإِنْ كانَتْ أي التولية إليها أو الجعلة أو التحويلة لَكَبِيرَةً أي ثقيلة


(١)
أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ٤٣. ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>