للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي أنه عنى بها قوم كانت لهم أسماء في الجاهلية، فلما أسلموا كانوا يغضبون من الدعاء بها رواه أحمد «١» وأبو داود. وفسره بعض السلف بقول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق!، وبعض بتسمية الرجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق بعد التوبة. والآية- كما قال ابن جرير-: تشمل ذلك كله قال: لأن التنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة.

بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ قال الزمخشريّ: الِاسْمُ هاهنا بمعنى الذكر. من قولهم: طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم، كما يقال: طار ثناؤه وصيته.

وحقيقته ما سما ذكره، وارتفع بين الناس. ألا ترى إلى قولهم: أشاد بذكره؟ كأنه قيل بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائر، أن يذكروا بالفسق. وفي قوله: بَعْدَ الْإِيمانِ ثلاثة أوجه:

أحدها- استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق الذي يأباه الإيمان ويحظره، كما تقول: بئس الشأن بعد الكبرة، الصبوة.

والثاني- أنه كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود: يا يهوديّ! يا فاسق! فنهوا عنه، وقيل لهم: بئس الذكر، أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه.

والجملة على هذا التفسير متعلقة بالنهي عن التنابز.

والثالث- أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحوّل عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة، الفلاحة بعد التجارة. انتهى.

واختار ابن جرير الثالث، لا ذهابا لرأي المعتزلة من أن الفاسق غير مؤمن، كما أنه غير كافر، فهو في منزلة بين المنزلتين بل لأن السياق يقتضي ختم الكلام بالوعيد، فإن التقليب بما يكرهه الناس أمر مذموم لا يجتمع مع الإيمان، فإن شعار الجاهلية. وعبارته: يقول تعالى ذكره: ومن فعل ما نهينا عنه، وتقدم على معصيتنا بعد إيمانه، فسخر من المؤمنين، ولمز أخاه المؤمن، ونبزه بالألقاب، فهو فاسق بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يقول: فلا تفعلوا فتستحقوا، إن فعلتموه، أن تسموا فساقا، بئس الاسم الفسوق. وترك ذكر ما وصفنا من الكلام، اكتفاء بدلالة قوله بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ عليه. ثم ضعف القول الثاني وقال: وغير ذلك من التأويل أولى بالكلام، وذلك أن الله تقدم بالنهي عما تقدم النهي عنه في أول هذه الآية،


(١) أخرجه في المسند ٤/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>