الله هذه الأمة من حضيض النار، وعلّاها إلى ذروة الصلحاء والأبرار، واتصل حبلها بعد البتات، والتأم شملها بعد الشتات، واجتمعت بعد الفرقة، وتوادعت بعد الفتنة، فصلى الله عليه صلاة زاكية نامية، رائحة غادية، منجزة عدته، رافعة درجته.
الثالث- قال الرازيّ: هذه السورة فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق.
وهي إما مع الله تعالى، أو مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو مع غيرهما من أبناء الجنس. وهم على صنفين: لأنهم إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين، وداخلين في رتبة الطاعة، أو خارجا عنها، وهو الفاسق. والداخل في طائفتهم، السالك لطريقتهم، إما أن يكون حاضرا عندهم، أو غائبا عنهم، فهذه خمسة أقسام:
أحدها- يتعلق بجانب الله.
وثانيها- بجانب الرسول.
وثالثها- بجانب الفسّاق.
ورابعها- بالمؤمن الحاضر.
وخامسها- بالمؤمن الغائب.
فذكر الله تعالى في هذه السورة خمس مرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وأرشد في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة.
فقال أولا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وذكر الرسول كان لبيان طاعة الله، لأنها لا تعلم إلا بقول رسول الله.
وقال ثانيا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ لبيان وجوب احترام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ثالثا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ لبيان وجوب الاحتراز عن الاعتماد على أقوالهم، فإنهم يريدون إلقاء الفتنة بينكم، وبيّن ذلك عند تفسير قوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا.
وقال رابعا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وقال وَلا تَنابَزُوا لبيان وجوب ترك إيذاء المؤمنين في حضورهم، والإزراء بحالهم ومنصبهم.