للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقرب إلى أحدكم، لم يقل: إنه قريب إلى كل موجود. وكذلك قول صالح عليه السلام فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: ٦١] ، ومعلوم أنه قوله: قَرِيبٌ مُجِيبٌ مقرون بالتوبة والاستغفار. أراد به، قريب مجيب لاستغفار المستغفرين التائبين إليه، كما أنه رحيم ودود. وقد قرن القريب بالمجيب. ومعلوم أنه لا يقال مجيب لكل موجود، وإنما الإجابة لمن سأله ودعاه، فكذلك قربه سبحانه وتعالى، وأسماء الله المطلقة كاسمه السميع والبصير والغفور والشكور والمجيب والقريب، لا يجب أن تتعلق بكل موجود، بل يتعلق كل اسم بما يناسبه. واسمه العليم، لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلوما تعلق بكل شيء. وأما قوله تعالى:

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فالمراد به قربه إليه بالملائكة. وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف. قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة. وقد قال طائفة وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ بالعلم. وقال بعضهم:

بالعلم والقدرة والرؤية. وهذه الأقوال ضعيفة، فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود، حتى يحتاجوا أن يقولوا بالعلم والقدرة، ولكن بعض الناس، لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء، تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء قادر على كل شيء، وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب، مثل لفظ المعية. وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: في آية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: ٤] ، هو معهم بعلمه، مع علوّه على عرشه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين، لم يخالفهم فيه أحد.

ثم قال: ولم يأت في لفظ القرب مثل ذلك أنه قال: هو فوق عرشه، وهو قريب من كل شيء، بل قال: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦] ، وقال: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة:

١٨٦] .

وقد روى ابن أبي حاتم بسنده أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي ... الآية.

ولا يقال في هذا قريب بعلمه وقدرته، فإنه عالم بكل شيء، قادر على كل شيء، وهم لم يشكّوا في ذلك، ولم يسألوا عنه، وإنما عن قربه إلى من يدعوه ويناجيه، فأخبر أنه قريب مجيب.

وطائفة من أهل السنة تفسر القرب في الآية والحديث بالعلم، لكونه هو

<<  <  ج: ص:  >  >>