فإن قيل: ما بعده يدل على خلاف ما تذهب إليه، فإن قوله: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى إلى غير ذلك، وقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى كل ذلك يدل على خلاف ما ذكرته؟ نقول: سنبيّن موافقته لما ذكرنا إن شاء الله تعالى في مواضعه، عند ذكر تفسيره.
فإن قيل: الأحاديث تدل على خلاف ما ذكرته، حيث ورد في الأخبار أن جبريل عليه السلام أرى النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه على صورته، فسدّ المشرق. فنقول: نحن ما قلنا إنه لم يكن وليس في الحديث أن الله تعالى أراد بهذه الآية تلك الحكاية، حتى يلزم مخالفة الحديث، وإنما نقول إن جبريل أرى النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه مرتين، وبسط جناحيه، وقد ستر الجانب الشرقي وسدّه، ولكن الآية لم ترد لبيان ذلك.
انتهى كلام الرازيّ.
وفي القرطبيّ حكاية أقوال أخر، وعبارته:
فَاسْتَوى أي ارتفع جبريل، وعلا إلى مكانه في السماء، بعد أن علّم محمدا صلى الله عليه وسلم- قاله سعيد بن المسيّب وابن جبير-.
وقيل: فَاسْتَوى أي قام وظهر في صورته التي خلق عليها.
وقول ثالث: أن معنى فَاسْتَوى أي استوى القرآن في صدره. وفيه على هذا وجهان:
أحدهما- في صدر جبريل حين نزل به عليه السلام.
الثاني- في صدر محمد صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه.
وقول رابع: أن معنى فَاسْتَوى فاعتدل. يعني محمدا في قوّته، والثاني في رسالته- ذكره الماورديّ-.
وعلى الأول يكون تمام الكلام ذُو مِرَّةٍ، وعلى الثاني شَدِيدُ الْقُوى.
وقول خامس أن معناه فارتفع، وفيه على هذا وجهان:
أحدهما- أنه جبريل ارتفع إلى مكانه، على ما ذكرناه آنفا.
الثاني- أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ارتفع بالمعراج.
وقول سادس: فَاسْتَوى يعني الله عز وجل. أي استوى على العرش- على قول الحسين- انتهى.
هذا ما وقفنا عليه الآن من الأقوال في الآية، وسيأتي في أول التنبيهات إيضاح ما اخترناه منها، وإنما أخّرنا ذكره لارتباطه بالآيات الآتية.