للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سبيل من أعطاه لهم، مع أنهم على شرف الموت، وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه.

وسبيل الله كل خير يوصلهم إليه، أعم من الجهاد وغيره. وقصر بعضهم إياه على الجهاد، لأنه فرده الأكمل، وجزؤه الأفضل، من باب قصر العامّ على أهم أفراده وأشملها، لا سيما وسبب النزول كان لذلك.

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أي من قبل فتح مكة، أو صلح الحديبية، وقاتل لتعلو كلمة الحق. ومن أنفق من بعد وقاتل في حال قوة الإسلام، وعزة أهله. فحذف الثاني لوضوح الدلالة عليه. فإن الاستواء لا يتم إلا بذكر شيئين.

على أنه أشير إليه بقوله مستأنفا عنهم، زيادة في التنويه بهم: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا أي لعظم موقع نصرة الرسول، صلوات الله عليه، بالنفس، وإنفاق المال في تلك الحال، وفي المسلمين قلة، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد. فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد، بخلاف ما بعد الفتح، فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قويّا، والكفر ضعيفا. ويدل عليه قوله تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [التوبة: ١٠٠] ، وقوله عليه الصلاة والسلام «١» : لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. وهذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم- أفاده الرازي-.

وفي (الإكليل) : في الآية دليل على أن للصحابة مراتب، وأن الفضل للسابق، وعلى تنزيل الناس منازلهم، وعلى أن أفضلية العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين، لأن الأجر على قدر النصب. انتهى.

وَكُلًّا أي وكل واحد من الفريقين وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى، وهي الجنة، لا الأولين فقط، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء.

قال ابن كثير: وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر، فيمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه، مع تفضيل الأول عليه.

وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي من النفقة في سبيله، وجهاد أعدائه، وغير ذلك فيجازيكم على جميع ذلك.

قال ابن كثير: ولخبرته تعالى، فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل،


(١) أخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث رقم ٢٢١، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>