في كتاب الله تعالى، بيّن فيها أن كثيرا من الناس فسروا النزول في مواضع من القرآن بغير ما هو معناه المعروف، لاشتباه المعنى في تلك المواضع. وصار ذلك حجة لمن فسر نزول القرآن بتفسير أهل البدع. وحقق رحمه الله أن ليس في القرآن ولا في السنة لفظ (نزول) إلا فيه معنى النزول المعروف. قال: وهو اللائق بالقرآن، فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب منزولا إلا بهذا المعنى. ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابا بغير لغتها. ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى، في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز بما ذكرنا. قال: وقد ذكر سبحانه إنزال الحديد، والحديد يخلق في المعادن. وما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد: السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة- فهو كذب لا يثبت مثله. وكذلك
الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، فأنزل الحديد والماء والنار والملح
- حديث موضوع ومكذوب والناس يشهدون أن هذه الأمة تصنع من حديد المعادن ما يريدون.
فإن قيل: إن آدم عليه السلام نزل معه جميع الآلات، فهذه مكابرة للعيان.
وإن قيل: بل نزل معه آلة واحدة، وتلك لا تعرف، فأي فائدة في هذا لسائر الناس؟ ثم ما يصنع بهذه الآلات إذا لم يكن ثم حديد موجود يطرق بهذه الآلات؟
وإذا خلق الله الحديد صنعت منه هذه الآلات.
ثم أخبر أنه أنزل الحديد، فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه، الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا لم ينزل من السماء.
فإن قيل: نزلت الآلة التي يطبع بها. قيل: فالله أخبر أنه أنزل الحديد لهذه المعاني المتقدمة، والآلة وحدها لا تكفي، بل لا بد من مادة يصنع بها آلات الجهاد.
ثم قال: وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق، لأنه أخرجه من المعادن، وعلمهم صنعته، فإن الحديد إنما يخلق في المعادن، والمعادن إنما تكون في الجبال. فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال، لينتفع به بنو آدم. انتهى كلامه رحمه الله.
وقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ أي باستعمال الحديد في مجاهدة أعدائه. عطف على محذوف دلّ عليه ما قبله. أي لينتفعوا به ويستعملوه في الجهاد، وليعلم الله ... إلخ. وحذف المعطوف عليه إيماء إلى أنه مقدمة لما ذكر،