للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى الشيخان «١» عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه.

ورويا «٢» أيضا عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطّ الله به عنه من سيئاته. كما تحط الشجرة ورقها.

والأحاديث في ذلك متوافرة معروفة في كتب السنة.

وللإمام عز الدين محمد بن عبد السلام، رحمة الله تعالى، كلام على فوائد المحن والرزايا يحسن إيراده هنا. قال عليه الرحمة: للمصائب والبلايا والمحن والرزايا فوائد تختلف باختلاف رتب الناس.

أحدها: معرفة عز الربوبية وقهرها.

والثاني: معرفة ذلة العبودية وكسرها. وإليه الإشارة بقوله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة: ١٥٦] ، اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره وقضائه وتقديره لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه.

والثالثة: الإخلاص لله تعالى إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه. ولا معتمد في كشفها إلا عليه وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام: ١٧] ، فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت: ٦٥] .

الرابعة: الإنابة إلى الله تعالى والإقبال عليه وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ [الزمر: ٨] .

الخامسة: التضرع والدعاء وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا [يونس: ١٢] ،


(١) أخرجه البخاريّ في: المرضى، ١- باب ما جاء في كفارة المرض. ومسلم في: البر والصلة والآداب، حديث رقم ٥٢.
(٢)
أخرجه البخاريّ في: المرضى، ٣- باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول (ثم الأمثل فالأمثل) ونصه: حديث ٢٢٤١: عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك. فقلت: يا رسول الله! إنك توعك وعكا شديدا. قال «أجل. إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك أن لك أجرين. قال «أجل. ذلك كذلك. ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» .
وأخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث رقم ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>