للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحب الذي هو في القلب، والمخالصة لأجل الدين، وذلك للمؤمنين المتقين بالإجماع، وللمسلمين الموحّدين، إذا كان لأجل إسلامهم وتوحيدهم عند أهل السنة. وأما المخالفة والمنافعة، وبذل المعروف، وكظم الغيظ، وحسن الخلق، وإكرام الضيف، ونحو ذلك، فيستحب بذله لجميع الخلق، إلا ما كان يقتضي مفسدة كالذلة. فلا يبذل للعدو في حال الحرب، كما أشارت إليه الآية لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ- كما يأتي- وأما التقية، فتجوز للخائف من الظالمين القادرين. وأما الفرق بين ما يجوز من المنافعة والمداهنة وما لا يجوز من الرياء، فما كان من بذل المال والمنافع فهو جائز، وهو المنافعة، وربما عبروا عنه بالمداهنة والمداراة والمخالقة. وما كان من أمر الدين فهو الرياء الحرام.

ومن كلام الإمام الداعي إلى الله تعالى، يحيى بن المحسن عليه السلام في (الرسالة المخرسة، لأهل المدرسة) : لا يجوز أن تكون الموالاة هي المتابعة فيما يمكن التأويل فيه. لأن كثيرا من أهل البيت عليهم السلام قد عرف بمتابعة الظلمة لوجه يوجب ذلك، فتولّى الناصر الكثير منهم، وصلى بهم الجمعة جعفر الصادق، وصلى الحسن السبط على جنائزهم.

وذكر الإمام المهديّ محمد بن المطهّر عليهما السلام أن الموالاة المحرمة بالإجماع، هي موالاة الكافر لكفره، والعاصي لمعصيته، ونحو ذلك.

قال السيد: وهو كلام صحيح، والحجة على صحة الخلاف فيما عدا ذلك أشياء كثيرة، منها قوله تعالى في الوالدين المشركين بالله وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [لقمان: ١٥] . ومنها قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... [الممتحنة: ٨] الآيتين، وفي الحديث أنها نزلت في قتيلة أم أسماء، بعد آيات التحريم، رواه أحمد والبزار والواحدي، وتأخرهما واضح في سياق الآيات، وقرينة الحال مع هذا الحديث. ولو لم يصح تأخر ذلك، فالخاص مقدم على العام عند جهل التاريخ عند الجمهور. ورجحه ابن رشد في (نهايته) بالنصوصية على ما هو خاص فيه. ويدل عليه ما ثبت في القرآن والسنة الصحيحة المتفق عليها من حديث عليّ عليه السلام في قصة حاطب، على ما ذكره الله تعالى في أول سورة الممتحنة- هذه- وذكره أهل الحديث وأهل التفسير جميعا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره بالخوف على أهله في مكة، والتقية فيما لا يضر في ظنه.

فإن قيل: القرآن دال على أنه قد أذنب لقوله: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ فكيف يقبل ما جاء من قبول عذره؟

<<  <  ج: ص:  >  >>