للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنذر والعتاق والطلاق على أنه لا يفعل شيئا لا رخصة له، لكان هنا سبب يقتضي تحريم الحلال، ولا يبقى موجب المغفرة والرحمة على هذا الفاعل.

ومما يوضح عمومه أنهم قد أدخلوا الحلف بالطلاق في عموم

حديث «١» : من حلف فقال إن شاء الله، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك، فأدخلوا فيه الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والحلف بالله

. وهذه الدلالة تنبيه على أصول الشافعي وأحمد ومن وافقهما في مسألة نذر اللجاج والغضب. فإنهم احتجوا على التكفير فيه بهذه الآية، وجعلوا قوله تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ كفارة أيمانكم عاما في اليمين بالله واليمين بالنذر.

ومعلوم أن شمول اللفظ لنذر اللجاج والغضب في الحج والعتق ونحوهما، سواء.

فإذا قيل: المراد بالآية اليمين بالله فقط، فإن هذا هو المفهوم من مطلق اليمين، ويجوز أن يكون التعريف بالألف واللام والإضافة في قوله: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة: ٨٩] ، وتَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ منصرفا إلى اليمين المعهودة عليهم، وهي اليمين بالله، وحينئذ فلا يعلم من اللفظ إلا المعروف عندهم، والحلف بالطلاق ونحوه لم يكن معروفا عندهم. ولو كان اللفظ عامّا، فقد علمنا أنه لم يدخل فيه اليمين التي ليست مشروعة، كاليمين بالمخلوقات، فلا يدخل الحلف بالطلاق ونحوه، لأنه ليس من اليمين المشروعة

لقوله «٢» : (من كان حالفا فليحلف بالله وإلّا فليصمت)

وهذا سؤال من يقول: كل يمين غير مشروعة، فلا كفارة لها ولا حنث.

فيقال: لفظ اليمين شمل هذا كله، بدليل استعمال النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء اسم اليمين في هذا كله.

كقوله صلى الله عليه وسلم: النذر حلف

. وقوله الصحابة لمن حلف بالهدي بالعتق: كفر يمينك. وكذلك فهمه الصحابة من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ولإدخال العلماء ذلك في

قوله صلى الله عليه وسلم «٣» : من حلف فقال إن شاء الله، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك

. ويدل على عمومه في الآية أنه سبحانه قال: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ فاقتضى هذا أن نفس تحريم الحلال يمين، كما استدل به ابن عباس.


(١) أخرجه أبو داود في: الأيمان والنذور، ٩- باب الاستثناء في اليمين، حديث رقم ٣٢٦٢، عن ابن عمر.
(٢) أخرجه البخاري في: الأدب، ٧٤- باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأوّلا، حديث رقم ١٢٩٨، عن ابن عمر.
(٣) أخرجه أبو داود في: الأيمان والنذور، ٩- باب الاستثناء في اليمين، حديث رقم ٣٢٦٢، عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>