وقد ذهب الحسن- فيما نقله الرازيّ- إلى أن المراد من السائل من يسأل العلم. فيكون في مقابلة قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وهكذا قال ابن كثير:
أي وكما كنت ضالا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد. قال الإمام:
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في أحوال الذين كانوا يسألونه عليه الصلاة والسلام بيان ما يشتبه عليهم. فمنهم أهل الكتاب الممارون. ومنهم الأعراب الجفاة. ومنه من كان يسأل عما لا يسأل عنه الأنبياء. فلا غرو أن يأمره الله بالرفق بهم، وينهاه عن نهرهم، كما عاتبه على التولّي عن الأعمى السائل، في سورة عبس. انتهى.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أي بشكرها وإظهار آثارها، فيرغب فيما لديه منها، ويحرص على أن تصدر المحاويج عنها. وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها. وفي الآية تنبيه على أدب عظيم. وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها، حرصا على التفضل والجود والتخلق بالكرم، وفرارا من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى.
قال الإمام: عن عادة البخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل. فلا تجدهم إلا شاكين من القل. أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه. فلهذا صح أن يجعل التحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين.
فهذا هو قوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أي إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء. وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة، فإن هذا من الفجفجة التي يتنزه عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض. ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاويا. وقد يقال: إن المراد من النعمة النبوة. ولكن سياق الآيات يدل على أن هذه الآية مقابلة لقوله: وَوَجَدَكَ عائِلًا فتكون النعمة بمعنى الغنى. ولو كانت بمعنى النبوة، لكانت مقابلة لقوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا وقد علمت الحق في مقابله. والله أعلم.