للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي منه جاءوا. ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:

أين المفرّ والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب

فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك. على كل منهل.

وأصيب أبرهة في جسده. وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة. كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمثّ- أي تسيل- قيحا ودما حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر. فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، فيما يزعمون.

قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة. أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب، ذلك العام.

قال ابن إسحاق: فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان مما يعدّ الله على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال تعالى:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ. بِأَصْحابِ الْفِيلِ السورة.

ثم قال ابن إسحاق: فلما ردّ الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة، أعظمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مؤونة عدوّهم. فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة، وما ردّ عن قريش من كيدهم. ثم ساق القصائد في ذلك.

وإنما آثرت في سياقها ما رواه ابن هشام عن ابن إسحاق. لأنه أحسن اقتصاصا وأبلغ سبكا، لإثارته عن صميم العربية روايات نبغاء رجالها، فرحمه الله ورضي عنه.

التنبيه الثاني: إنما أضيف أمر القصة إلى الفيل، واشتهرت به، لاصطحابهم الفيل معهم للبطش والتخريب، فإنه لو تم لقائديه كيدهم، لكان الفيل يدهم العاملة وسهمهم النافذ. وذلك أن جبابرة البلاد التي يوجد فيها الفيل يتخذونه آلة بطش وانتقام. فإذا غضبوا على محارب وأسروه، أو وزير وأوثقوه، أو بلد ونازلوا حصنه- أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل، فنطح برأسه ونابه الصرح فيدكه.

وقواعد البنيان فيهدمها. فيكون أمضى من معاول وفؤوس. وأعظم رعبا ورهبة في النفوس. وربما ألقوا المسخوط عليه بين يديه، فأعمل فيه نابه، ولف عليه خرطومه وشاله، ومثل به تمثيلا، كان أشد بطشا وتنكيلا. وقد حدثني بغرائب هذه الفظائع الجاهلية بعض آل ملوك الأفغان لما أقام مدة بالشام.

الثالث: قال القاشاني: قصة أصحاب الفيل مشهورة، وواقعتهم قريبة من عهد

<<  <  ج: ص:  >  >>